13 فبراير 2022
السيسي والخليج .. السحر والساحر
كان سقوط حسني مبارك بمثابة صدمة لدول الخليج العربي، خصوصاً التي ارتبطت بعلاقة عضوية بنظامه ومؤسساته وجماعته. فمبارك لم يكن مجرد طفل مدلل لهذه الدول، خصوصاً بعد دوره في حرب الخليج الثانية، لكنه أيضا كان بمثابة صمام أمان لمنع التغيير في مصر، والذي قد يؤدي، بدوره، إلى ارتدادات سلبية على هذه الدول وعلاقتها بمجتمعاتها. وفي وقت لم تستطع هذه الدول منع موجة التغيير التي اجتاحت المنطقة العربية، فيما سمي "الربيع العربي" قبل ثلاث سنوات، فإنها حاولت، في البداية، استيعاب الصدمة واستعادة التوازن، قبل أن تبدأ مرحلة الهجوم الفعلي على الربيع العربي، بأذرعها السياسية والأمنية والإعلامية، المنتشرة في المنطقة وخارجها.
كان إفشال التغيير في مصر الهدف الرئيسي لهذه البلدان، ليس فقط لأنه سوف يمنع صعود الإسلاميين الذين يمثلون أحد مصادر تهديد الشرعية، التقليدية والدينية، في هذه البلدان، وإنما، أيضاً، لأنه سوف يجهض أحلام التغيير الديمقراطي السلمي في المنطقة. فالنخب الحاكمة في هذه البلدان تتبني المنظور الاستشراقي الذي يرى أن العرب غير مؤهلين للديمقراطية، وأن أي تغيير سوف يؤدي إلى وصول المتطرفين إلى السلطة. وهذا ما حاول بعضهم تسويقه للغرب، طوال العقد الماضي، تحت مبدأ "نحن أو الفوضى". وهي المقولة نفسها التي روجها مبارك ونائبه عمر سليمان في أثناء الثورة المصرية.
كانت مصر بمثابة "الجائزة الكبرى" لهذه البلدان، ذلك أن فشل الثورة فيها سوف يعني سقوط الديمقراطية، كفكرة ومشروع، لدى كثيرين في المنطقة. لذا، سعت هذه البلدان، منذ اليوم الأول للثورة المصرية، في العمل على إجهاضها، من خلال قوى الثورة المضادة وتمويلها وتحريكها، وهي التي نجحت في إعادة تنظيم صفوفها، واستفادت من غباء الإسلاميين ورعونتهم، حتى تحقق لها ما أرادت في الثالث من يوليو/تموز ٢٠١٣.
وقد كان ظهور السيسي بالنسبة لهذه البلدان بمثابة "حصان طروادة" الذي يمكن استخدامه للإجهاز على ما تبقى من آمال للتغيير في مصر والمنطقة. ولعل القاسم المشترك بين السيسي وداعميه هو رفض الديمقراطية وعشق السلطوية والاستبداد. لذا، حدث نوع من التقاء المصالح بين الطرفين. فالسيسي، من خلال انقلابه وإجهاضه الثورة، نجح فى تقديم أوراق اعتماده لهذه البلدان، باعتباره الشخص الأكثر قدرة على ردع الإسلاميين، واستئصال شأفتهم، ما يفسر حملة القمع والاعتقال والقتل التي يتعرض لها الإسلاميون فى مصر، والتي كلما زادت زاد معها التمويل والدعم. كما نجح السيسي، من خلال رجاله وإعلامه، في إقناع هذه البلدان بأنه الوحيد القادر على حماية أمنها، وضمانه في مواجهة القوى والتهديدات الإقليمية. وهو ما بدا بوضوح بعد الانفتاح بين الغرب وإيران، والذي قد يعزز موقع الأخيرة في المعادلة الإقليمية.
في المقابل، فإن السيسي، الطامح للرئاسة، في حاجة ماسة لأموال الخليج ونفطه، من أجل ضمان وصوله إلى السلطة، والبقاء فيها أطول فترة ممكنة. فالأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمر بها مصر تمثل كابوساً حقيقياً لكل من أدار البلاد بعد الثورة، وكانت إحدى المحفزات ضد حكم محمد مرسي و"الإخوان". كما أن ثمة إدراك من الدول الداعمة للسيسي بأن الرجل ذهب في طريق ذي اتجاه واحد، لا يمكن التراجع عنه، ما يجعلها تواصل الضغط عليه، من أجل تقديم المزيد.
بيد أنه من غير الواقعي اعتبار العلاقة بين السيسي وداعميه أبدية، أو علاقة "زواج كاثوليكي"، وإنما هي علاقة مؤقتة، ومرهونة بتحقيق المرجو منها. وهنا، يمكن الحديث عن ثلاثة أمور، قد تؤثر عليها. الأول قدرة السيسي على إعادة ترميم دولة مبارك بعد الشروخ التي أصابتها منذ ثورة ٢٥ يناير. فالمطلوب ليس فقط إجهاض الديمقراطية في مصر، وإنما أيضا تدشين نظام سلطوي جديد، محصن ضد التغيير والثورة. وهو أمر لا أعتقد أن في مقدور السيسي أن يفعله، حتى لو استخدم القوة والسلاح في مواجهة معارضيه. ثانيها نجاح السيسي في حل المشكلات الاقتصادية في مصر، والتي قد تتحول، بمرور الوقت، إلى "ثقب أسود"، يستنزف حقائب الدعم الخارجي، إلى ما لا نهاية. وهو أمر، أيضاً، يبدو محل شك كبير، خصوصاً في ظل قوة شبكات الفساد والمحسوبية التي ترفض أي محاولة للتغيير، أو للتفكيك. كما أن محاولات تخفيض الدعم الحكومي، أو رفعه، قد تؤدي إلى توتر اجتماعي، وربما تمرد، قد تصعب السيطرة عليه. ثالثها قدرة السيسي على فرض الأمن والاستقرار في مصر، من دون اللجوء إلى مزيد من العنف الدولتي والبطش. وهو أمر يبدو، أيضاً، محل شك، ليس فقط بسبب حلقة العنف والعنف المضاد، المفرغة التي دخلتها البلاد، منذ أكثر من عشرة أشهر، وإنما، أيضاً، بسبب رفض السيسي، ومن معه، أي حل سياسي للأزمة التي تعيشها البلاد منذ إطاحة مرسي. لذا، من المتوقع أن تستمر حالة الاستنزاف بين السيسي والجماعات العنيفة التي تتكاثر بشكل ملحوظ، وترفض السيسي حاكماً للبلاد.
لذلك، فشل السيسي فى التعاطي مع هذه المسائل، وغيرها، سوف يورطه، ويورط من يدعمه في صراع طويل المدى، ولربما ينقلب فيه السحر على الساحر.
كان إفشال التغيير في مصر الهدف الرئيسي لهذه البلدان، ليس فقط لأنه سوف يمنع صعود الإسلاميين الذين يمثلون أحد مصادر تهديد الشرعية، التقليدية والدينية، في هذه البلدان، وإنما، أيضاً، لأنه سوف يجهض أحلام التغيير الديمقراطي السلمي في المنطقة. فالنخب الحاكمة في هذه البلدان تتبني المنظور الاستشراقي الذي يرى أن العرب غير مؤهلين للديمقراطية، وأن أي تغيير سوف يؤدي إلى وصول المتطرفين إلى السلطة. وهذا ما حاول بعضهم تسويقه للغرب، طوال العقد الماضي، تحت مبدأ "نحن أو الفوضى". وهي المقولة نفسها التي روجها مبارك ونائبه عمر سليمان في أثناء الثورة المصرية.
كانت مصر بمثابة "الجائزة الكبرى" لهذه البلدان، ذلك أن فشل الثورة فيها سوف يعني سقوط الديمقراطية، كفكرة ومشروع، لدى كثيرين في المنطقة. لذا، سعت هذه البلدان، منذ اليوم الأول للثورة المصرية، في العمل على إجهاضها، من خلال قوى الثورة المضادة وتمويلها وتحريكها، وهي التي نجحت في إعادة تنظيم صفوفها، واستفادت من غباء الإسلاميين ورعونتهم، حتى تحقق لها ما أرادت في الثالث من يوليو/تموز ٢٠١٣.
وقد كان ظهور السيسي بالنسبة لهذه البلدان بمثابة "حصان طروادة" الذي يمكن استخدامه للإجهاز على ما تبقى من آمال للتغيير في مصر والمنطقة. ولعل القاسم المشترك بين السيسي وداعميه هو رفض الديمقراطية وعشق السلطوية والاستبداد. لذا، حدث نوع من التقاء المصالح بين الطرفين. فالسيسي، من خلال انقلابه وإجهاضه الثورة، نجح فى تقديم أوراق اعتماده لهذه البلدان، باعتباره الشخص الأكثر قدرة على ردع الإسلاميين، واستئصال شأفتهم، ما يفسر حملة القمع والاعتقال والقتل التي يتعرض لها الإسلاميون فى مصر، والتي كلما زادت زاد معها التمويل والدعم. كما نجح السيسي، من خلال رجاله وإعلامه، في إقناع هذه البلدان بأنه الوحيد القادر على حماية أمنها، وضمانه في مواجهة القوى والتهديدات الإقليمية. وهو ما بدا بوضوح بعد الانفتاح بين الغرب وإيران، والذي قد يعزز موقع الأخيرة في المعادلة الإقليمية.
في المقابل، فإن السيسي، الطامح للرئاسة، في حاجة ماسة لأموال الخليج ونفطه، من أجل ضمان وصوله إلى السلطة، والبقاء فيها أطول فترة ممكنة. فالأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمر بها مصر تمثل كابوساً حقيقياً لكل من أدار البلاد بعد الثورة، وكانت إحدى المحفزات ضد حكم محمد مرسي و"الإخوان". كما أن ثمة إدراك من الدول الداعمة للسيسي بأن الرجل ذهب في طريق ذي اتجاه واحد، لا يمكن التراجع عنه، ما يجعلها تواصل الضغط عليه، من أجل تقديم المزيد.
بيد أنه من غير الواقعي اعتبار العلاقة بين السيسي وداعميه أبدية، أو علاقة "زواج كاثوليكي"، وإنما هي علاقة مؤقتة، ومرهونة بتحقيق المرجو منها. وهنا، يمكن الحديث عن ثلاثة أمور، قد تؤثر عليها. الأول قدرة السيسي على إعادة ترميم دولة مبارك بعد الشروخ التي أصابتها منذ ثورة ٢٥ يناير. فالمطلوب ليس فقط إجهاض الديمقراطية في مصر، وإنما أيضا تدشين نظام سلطوي جديد، محصن ضد التغيير والثورة. وهو أمر لا أعتقد أن في مقدور السيسي أن يفعله، حتى لو استخدم القوة والسلاح في مواجهة معارضيه. ثانيها نجاح السيسي في حل المشكلات الاقتصادية في مصر، والتي قد تتحول، بمرور الوقت، إلى "ثقب أسود"، يستنزف حقائب الدعم الخارجي، إلى ما لا نهاية. وهو أمر، أيضاً، يبدو محل شك كبير، خصوصاً في ظل قوة شبكات الفساد والمحسوبية التي ترفض أي محاولة للتغيير، أو للتفكيك. كما أن محاولات تخفيض الدعم الحكومي، أو رفعه، قد تؤدي إلى توتر اجتماعي، وربما تمرد، قد تصعب السيطرة عليه. ثالثها قدرة السيسي على فرض الأمن والاستقرار في مصر، من دون اللجوء إلى مزيد من العنف الدولتي والبطش. وهو أمر يبدو، أيضاً، محل شك، ليس فقط بسبب حلقة العنف والعنف المضاد، المفرغة التي دخلتها البلاد، منذ أكثر من عشرة أشهر، وإنما، أيضاً، بسبب رفض السيسي، ومن معه، أي حل سياسي للأزمة التي تعيشها البلاد منذ إطاحة مرسي. لذا، من المتوقع أن تستمر حالة الاستنزاف بين السيسي والجماعات العنيفة التي تتكاثر بشكل ملحوظ، وترفض السيسي حاكماً للبلاد.
لذلك، فشل السيسي فى التعاطي مع هذه المسائل، وغيرها، سوف يورطه، ويورط من يدعمه في صراع طويل المدى، ولربما ينقلب فيه السحر على الساحر.