السيسي منقذًا للحضارة.. فلاسفة في التسعين من العمر

السيسي منقذًا للحضارة.. فلاسفة في التسعين من العمر

06 فبراير 2017
(أمام السفارة المصرية في أنقرة، تصوير:آدم ألتان/ فرانس برس)
+ الخط -
ليس العنوان مقتبسًا عن فيديو دعائي أو عنوان قصيدة تحتفي بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أو هي إحدى النكت التي يرميها مواطن مصري لا يجد ما يقتاته بسبب الوضع الاقتصادي السيئ في البلاد، وإنّما خرجت تلك العبارة من فم المفكّر المصري مراد وهبة، الذي يُصنّف من بين 500 شخصية "الأكثر شهرة في العالم".


فقد أثارت مؤلّفاته وطريقة اشتغاله بالفلسفة، الرفض وعدم القبول تارةً، خاصّة ما تناولته محاورات "الفلسفة ورجل الشارع"، والغضب تارةً أخرى من قبل الإخوان المسلمين والإسلاميين، لما تضمّنته كتبه ومحاضراته من توجيه نقدٍ دائمٍ للحقيقة المطلقة المتمثّلة بالأديان، ووهم امتلاكها، وهو السبب الرئيس في "الوضع القائم" وتدهور التفكير والفلسفة على حدّ تعبير وهبة.

قد يكون من العسير على أحد المهتمين بالثقافة والشأن الفلسفي، تمرير مثل هذا السقوط للمفكّر وهبة، وليس التعبير بالسقوط حكمًا، بقدر ما ينبع من دهشة قادها لومٌ وتساؤل لمثقف ومفكّر يعدّ نفسه مسؤولًا في نشر الوعي والثقافة بين عامّة الناس، وأنه لا وجود للفلسفة في الأبراج العاجية، وأن "رجل الشارع" البسيط يجب أن يتحرّر من الدوغمائية والتخلّي عن تبنّي المطلق والسائد ورفض النقد، من خلال النزول إليه ومشاركته الأسئلة والأجوبة وتثقيفه وتحريضه كالمعلم سقراط. قاد هذا السبب المفكّر وهبة، إلى نتيجة جعلته في عداد من حاربهم، أصحاب الفكر الإقصائي (مُلّاك الحقيقة المطلقة)، عندما أعلن في 27 من الشهر الماضي على التلفزيون المصري عن حقيقة أبعد من ورائيات الأديان؛ وهي "أن الله أرسل ترامب كرسول لإنقاذ أميركا والعالم من الحكم الإسلامي والخلافة الإسلامية، كما أرسل الله السيسي لمصر"، وربط المتحدّث بينهما قائلًا: "ترامب متحمّس للسيسي لأن الأخير أنقذ الحضارة"، لا نعلم أي حضارة يقصدها وهبة، هل هي حضارة الفقر والجوع، أم حضارة عداء الآخرين ورميهم بالإرهاب كما فعل ترامب؟

لكن "المعلّم" وهبة هذه المرّة، وتعليقه بأن "الله أرسل السيسي لينقذ البشرية من الإخوان المسلمين"، يضع المرءَ في حيرة بينه وبين الإرث الفكري والفلسفي للمفكّر، إرث يحفل بالفلسفة والنقد والنسبية ويحتفي بها، داعيًا إلى انتشار الفلسفة وتعاليمها، وتعليمها للناس والتعلم منهم، لسنا في معرض التجنّي على هذا الإرث، ولكن كيف ستكون قراءة هذا الإرث بمعزل عن مواقف أصحابها وسيرهم، فالمرتبة التي يصل إليها المفكّر في مدى تأثيره وتأثّره في علاقته مع قرّائه ومريديه، تجعل حريّته محدودة، وتؤطّرها أصوات تطالب المثقّف بالمزيد من التوضيح والتحليل في مختلف مواقف الحياة، ظنًا منه أنه يفوقه فهمًا وقدرة في تفسير الأمور، ويحدّ تلك الحريّة أكثر إذا ما رأت الجماهير. المثقف بدأ يستخدم نفوذه ومكانته في استعراض آراء تستخف بحريّة الآخرين، مثلما عبّر وهبة في معرض حديثه عن ترامب والسيسي.

هل نعتبر تلك الآراء، ليست فكرًا ولا يمكن التعويل على قائلها، أم تكون بمثابة اعتراف من وهبة وهو يبلغ التسعين من عمره، وأنها الحقيقة التي انتهى إليها، وليس بعيدًا أن تكون إحدى رؤاه القادمة في زاويته التي يكتبها في جريدة الأهرام بعنوان "رؤيتي للقرن الحادي والعشرين"، وتكون باسم "رؤيتي للقرن الحادي والعشرين.. السيسي منقذًا للحضارة"، بجانب أخرى صدرت له مؤخرًا "رؤيتي للقرن الحادي والعشرين.. الفلسفة وتغيير الذهنية". وبهذا تكون العلمانية التي ينشدها وهبة، ويُطالب المثقفين أن يقفوا وراءها، موجودة في حضرة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بحسب نظرية "منقذ الحضارة".

الثنائية التي وضع فيها المفكر مراد وهبة نفسه، إما العلمانية/ السيسي أو الحكم الإسلامي والخلافة/ الجماعات الإسلامية، هي ذاتها التي أردت الحالة الفلسفية والاهتمام بها في الوطن العربي، ووقفت في وجه إعمال العقل الناقد في الموروث والحاضر والمستقبل، فبدا أن الخوف من الإسلاميين والقلق على الحاضر وضبابية المستقبل في ظل ما نحياه، عند مراد، هو الوضع المسيطر، فتاه العقل وضاعت قيمة النقد وما نقده ونظَّر إليه وخاصّة فيما يتعلّق بحال الفلسفة في الوطن العربي، والتي ما فتئ ينظر لها الرجل، ولكن أي فلسفة تلك التي تعتريها الهزيمة، وتكلّلها العبودية لآخر مستبد يرى فيه الضامن للعلمانية، وآخر حاقد كاره لأكثر من مليار نسمة في العالم.

لا مفرّ من الاعتراف بأن الهزيمة مستنا، ونالت منّا ما استطاعت، والخوف من الحاضر يُحاصر من ناشد الحريّة ومن حاربها أيضًا، ففوضى الحاضر وجهل المستقبل هو الغالب في أوقاتنا الراهنة، بيد أن الهزيمة والخوف لا ينتهيان بانتصار موهومٍ كالذي ينشده وهبة، بل ما يقضي على الهزيمة ويبدّد الخوف هو النقد وإعمال العقل في النقد، هنا أسوق ما ذكره المفكر السوري الطيب تيزيني، اعترف به مؤخرًا في حوار أجري معه: "بعد كل الذي حدث في سورية وفي غيرها، أُعلن أن كل ما كتبته في حياتي أصبح ملغىً وبحاجة إلى إعادة نظر".

المساهمون