السيسي زعيماً لثورة 1952

السيسي زعيماً لثورة 1952

25 يوليو 2015
+ الخط -

يريد عبد الحكيم، أصغر أبناء جمال عبد الناصر، أن يجامل عبد الفتاح السيسي، مقدما وصلة تملق جديدة لمناسبة مرور 63 عاما على ثورة يوليو/ تموز، فيقول إن ثورة أبيه مستمرة، حتى الآن، بقيادة عبد الفتاح السيسي.

يقول عبد الحكيم من أمام ضريح عبد الناصر "عبدالفتاح السيسي يحاول وصل ما انقطع طوال الـ40 سنة" التي أعقبت وفاة والده، مشيراً إلى أن القيادة التى جاءت بعد ذلك، انقضّت على المكاسب، التي حققها عبدالناصر، وهو ما جعل الشعب ينفجر بعد ذلك في عدة انتفاضات، واستمرت إلى أن جاءت ثورة 25 يناير و"30 يونيو".

قلت، مرة، إن الوحيد الذي لم يستفد من مجانية التعليم التي طبقها عبد الناصر، هو ابنه الأصغر، وما زال يؤكد لي يوميا ظني به.

لو نطقت صورة جمال عبد الناصر، المعلقة على جدران البيت، لقالت لابنه الأصغر: كف عن هذا الهراء، ذلك أنه على الرغم من كل الاتهامات والانتقادات التي توجه إلى "ناصر" في ما يخص الاستبداد والقمع والتغييب الكامل للديمقراطية، إلا أنه كان يعبر، طوال الوقت، عن موقف من المحتل الصهيوني، يضعه في خانة "العدو"، وبناء عليه، يخنق التطور الديمقراطي، وينعش المعتقلات والسجون بالداخل.

أما صاحبنا، الذي يمنحه ابن عبد الناصر عباءة أبيه، ويفوضه زعيما لثورة، أكبر منه سناً، فهو الفتى المدلل للسياسة الإسرائيلية، والأولى بالرعاية بالنسبة لها، دبلوماسيا وإعلاميا وأمنيا.

بعيدا عن عبقرية ابن الزعيم، فإن  الثالث والعشرين من يوليو/ تموز يرتبط عندي بثلاث مناسبات عجيبة، القاسم المشترك فيها هو "العسكر".

هو اليوم الذي تحل فيه ذكرى 23 يوليو 1952 "حركة الضباط التي صارت ثورة"..

هو يوم استشهاد الشاب، محمد محسن، شهيد تحريض العسكر ضد الثوار في موقعة العباسية، الذي أصابه "المواطنون الشرفاء" في رأسه، استجابة لتحريض المجلس العسكري ضد ثوار يناير/ كانون الثاني 2011، ورفضت المستشفيات علاجه.

والمناسبة الثالثة عيد ميلاد الشهيد، مينا دانيال، الذي لقي حتفه في موقعة دهس المدرعات العسكرية المجنونة للمتظاهرين عند ماسبيرو.

أعرف، كما قلت سابقاً، أن هذا الكلام، لن يعجب أحداً ممن جعلوا مستقبلهم وقودا وحطبا لحروب الماضي، فهناك فريق، مدفوعا بالرغبة في الانتقام الماضوي، لا يرى في جمال عبدالناصر إلا نكسة 1967. وفريق آخر يرى فيه الكمال المطلق، ويستدعيه للحرب على الإخوان المسلمين وإغاظتهم، من دون أن يفكر أحد في أن يعفي التاريخ والحاضر والمستقبل معاً من هذه المناكفات الصغيرة.

وهناك من  يرى تناقضاً بين الاحتفال بثورة أسست لحكم العسكر، والاحتفال، في الوقت نفسه، باثنين من شهداء "العسكرة"، محمد محسن ومينا دانيال، وقد يكون هذا صحيحاً لو اعتبرت أن "عسكر يوليو" هم أنفسهم "عسكر يناير 2011"، غير أنه من الإنصاف القول إن فرقاً كبيراً بين أولئك وهؤلاء.

مارس بعض ضباط ثورة يوليو العمل السياسي، وقرأوا وتثقفوا وامتزجوا بالشارع، وتعرفوا على نبضه وإيقاعه قبل 1952، فاحتشدوا بكل عناصر الثورة وعواملها، فكان التحرك صباح الثالث والعشرين من يوليو، وكان الاصطفاف الشعبي فيما بعد حول حلم قومي كبير، أجهضته أخطاء وخطايا كارثية بعد حين. هناك روايات تاريخية معتبرة تقول إن جمال عبد الناصر وزملاءه تقلبوا بين التنظيمات السياسية كافة، قبل أن ينشئوا تنظيم الضباط الأحرار، وهناك من يذهب إلى أبعد من ذلك ليقول إن عبد الناصر كان أحد ثلاثة، سماهم الإمام حسن البنا، لخلافته، في موقع "المرشد العام للإخوان المسلمين".

أما يناير 2011 فكانت أول ثورة شعبية غير مسلحة، ولا تصدق الذين يثرثرون أنهم كانوا على علم مسبق بها، أو أنهم توقعوها وحذروا منها، فالحاصل أن الكل بهت بهذا الإبداع المدني المباغت، فراح يجري حساباته السريعة، للقفز في القطار، قبل أن يدهسه، باحثا في قاموسه الفقير عن عبارات يتغزل بها في الشباب والثوار، بينما هو ألدّ الخصوم.

وتبقى "30 يونيو/ حزيران" أو "3 يوليو/ تموز" 2013، هي الجريمة الكاملة، بحق يناير 2011 و يوليو 1952 معا، ذلك أن صباح الثالث والعشرين من يوليو 1952 يبقى لحظة مصرية مشحونة بفرحة الانعتاق من احتلال غاصب، بصرف النظر عن المآلات الكارثية، فيما بعد.

 

وائل قنديل
وائل قنديل
صحافي وكاتب مصري، من أسرة "العربي الجديد". يعرّف بنفسه: مسافر زاده حلم ثورة 25 يناير، بحثاً عن مصر المخطوفة من التاريخ والجغرافيا