السيسي أم الطيب: مقترحات بتعديل دستوري لحسم الصراع

السيسي أم الطيب: مقترحات بتعديل دستوري لحسم الصراع

27 اغسطس 2020
لطالما مرت العلاقة بين السيسي والطيب بتوترات (الأناضول)
+ الخط -

في مايو/أيار من عام 2014، وقبل أيام من إجراء انتخابات انتهت بتوليه رئاسة الجمهورية، قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في حوار مع شبكة "سكاي نيوز"، إنه سيكون المسؤول أمام المصريين عن "القيم والمبادئ والأخلاق... والدين". وشدد على أنّ "رئيس الدولة الذي سيختاره المصريون سيكون مسؤولاً عن كل شيء في الدولة، حتى دينها".
وبعد ست سنوات، تبدو هذه العبارة المنسية بمثابة الدستور للسيسي ونظامه، يتحدى بها نصاً دستورياً واقعياً، وجده في دستور "النوايا الحسنة" (استخدم السيسي هذا الوصف للحديث عن مواد دستور 2014)، والذي عدل النظام جزءا منه، ويشرع حالياً في موجة ثانية من التعديلات. وتؤكد المادة السابعة منه أن "الأزهر الشريف هيئة إسلامية علمية مستقلة، يختص دون غيره بالقيام على كافة شؤونه، وهو المرجع الأساسي في العلوم الدينية والشؤون الإسلامية، ويتولى مسؤولية الدعوة ونشر علوم الدين واللغة العربية في مصر والعالم. وتلتزم الدولة بتوفير الاعتمادات المالية الكافية لتحقيق أغراضه. وشيخ الأزهر مستقل غير قابل للعزل، وينظم القانون طريقة اختياره من بين أعضاء هيئة كبار العلماء".

يعمل النظام على استنزاف شيخ الأزهر إعلامياً وإجباره على كشف جميع أوراقه أمام الرأي العام

هذا النص الذي تسبب في رفض مجلس الدولة المصري مجرد مناقشة النصوص الموضوعية في مشروع تعديل قانون تنظيم دار الإفتاء، ما أدى إلى تجميد المشروع وإعلان تأجيل مناقشته للفصل التشريعي المقبل، فتح الباب لصعود أفكار خلال الأيام القليلة الماضية داخل دائرة السيسي والدوائر التشريعية بمجلس الوزراء ووزارة العدل ومجلس النواب، لحل تلك المعضلة دستورياً، وعدم تركها للتشريعات التي يمكن أن تتصادم مع النصوص الدستورية، ما يتسبب بين حين وآخر في منع السيسي من ممارسة سلطاته التي يريدها كاملة على الشأن الديني في مصر، وسحب البساط من تحت قدمي شيخ الأزهر أحمد الطيب، الذي يُصعّد بين الحين والآخر مستوى التحدي، ليصبح الأزهر المؤسسة الوحيدة في الدولة التي لم تنصع بشكل كامل للسيسي ودائرته وقواعده.
مصادر مطلعة، تنفيذية وقانونية، في الدوائر التشريعية المختصة، وبعضها شارك في إعداد مشروع تعديل قانون الإفتاء، قالت، لـ"العربي الجديد"، إن مسألة نقل تبعية دار الإفتاء لمجلس الوزراء بدلاً من الأزهر هو "قرار نهائي من السيسي، وليس محلاً للنقاش أو الجدل، بالنسبة له". وكشفت أن النظام حسم موقفه بتأجيل المناقشة منذ اعتراض هيئة كبار العلماء، برئاسة الطيب، على مشروع القانون في يوليو/تموز الماضي، لكنه انتظر حتى اليوم الأخير من دور الانعقاد لعدة أسباب، أبرزها استنزاف شيخ الأزهر إعلامياً وإجباره على كشف جميع أوراقه أمام الرأي العام، واختبار العلاقة بين الأزهر وقضاة مجلس الدولة المختصين بمراجعة مشاريع القوانين، والتي ترى شخصيات نافذة داخل النظام أنها ما زالت قائمة سراً من خلال القاضي بمجلس الدولة ومستشار شيخ الأزهر السابق محمد عبدالسلام، المقيم حالياً خارج البلاد، والمصنف من قبل المخابرات العامة والأمن الوطني كشخصية غير مرغوب فيها. وكان يعتبر كاتم سر الطيب والشخص الأكثر قرباً له طوال السنوات العشر الماضية، فضلاً عن تمثيله الأزهر في جميع جمعيات إعداد الدستور واللجان الحكومية.
وبحسب المصادر، فقد هدفت عملية إطالة أمد تداول المشروع، رغم قرار تأجيل تمريره، إلى الاطلاع أيضاً على جميع الثغرات القانونية به لتلافيها عند إعادة طرحه من جديد، أو إيجاد حلول جذرية للتغلب على عدم دستوريته، ومخالفته للمواد 2 و7 و8 و15 من الدستور، والمادة 32 مكرر من القانون 103 لسنة 1961 وتعديلاته، التي تؤكد أن الأزهر هو "المرجع الأساسي في العلوم الدينية والشؤون الإسلامية ويتولى مسؤولية الدعوة ونشر علوم الدين... ومرجعاً نهائياً في كل ما يتعلق بشؤون الإسلام وعلومه وتراثه واجتهاداته الفقهية والفكرية الحديثة"، ما يوجب أن تُرد له كل فتاوى دار الإفتاء، بوصفها مظهراً تطبيقياً للعلوم الدينية، والشؤون الإسلامية.

حذف أداة التعريف في أن الأزهر هو "المرجعية الرئيسية للشؤون الدينية" سيؤدي إلى تفسير النص على نحو مخالف

وكشفت المصادر أنه بعد الاطلاع على ملاحظات مجلس الدولة ظهرت عدة أفكار للتغلب على تلك العيوب، تركزت جميعها على مبدأ تعديل الدستور، في موضع واحد أو موضعين. فهناك مقترح بتعديل المادة السابعة منه أسوة بنص المادة الثانية من الدستور الخاصة بالشريعة الإسلامية منذ صدور دستور 1971 حتى تعديلها بتوجيه من الرئيس الراحل أنور السادات عام 1980. فالنص الحالي للمادة يفيد بأن الأزهر هو "المرجعية الرئيسية للشؤون الدينية"، وبتعديل بسيط يتمثل في حذف أداة التعريف يمكن تفسير النص على نحو مخالف، يفيد بوجود مرجعيات أخرى، رئيسية وغير رئيسية، في العلوم الدينية والشؤون الإسلامية. وكان التعديل الذي أدخله السادات على الدستور يرمي إلى عكس هذا الهدف، فقد أضاف أداة التعريف إلى عبارة "مصدر رئيسي للتشريع" لتصبح "ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع" في إطار تصنّعه التوجه الإسلامي للدولة في ذلك الوقت، إلى حد وصفها بدولة العلم والإيمان، في وثيقة التعديلات الدستورية، التي كانت ترمي في الأساس إلى استمراره في الحكم لولايات دون حد أقصى.

وبحسب المصادر ذاتها، فهناك مقترح آخر بترك النص الحالي كما هو، أو تعديله كما سبق إيضاحه، مع إضافة نص خاص لدار الإفتاء، يؤكد تبعيتها المطلقة للسلطة التنفيذية. وفي هذه الحالة، ربما تكون النصوص أكثر صرامة لتحقيق الفصل الكامل بينها وبين الأزهر، بحيث يكون تعيين مفتي الجمهورية بقرار من رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء، من دون الحاجة لانتخاب المفتي من خلال اقتراع سري مباشر، يُصوت فيه أعضاء هيئة كبار العلماء التي يترأسها شيخ الأزهر، ولا إلى الآلية المنصوص عليها في مشروع القانون الحالي، وهي اختيار ثلاثة مرشحين للمنصب من داخل الهيئة أو من خارجها، ورفع ترشيحاتها إلى رئيس الجمهورية، الذي منحه التشريع السلطة المطلقة في الاختيار من بين المرشحين الثلاثة، وكذلك تقنين التمديد للمفتي بعد أن يبلغ السن القانونية.
وفي حالة الاستقرار على حل من الاثنين، أو كليهما، فسوف يُضمن هذا التعديل في الموجة الثانية المنتظرة من التعديلات الدستورية، والتي سبق وكشفت "العربي الجديد" عن معالمها مطلع الشهر الحالي، وتستند فكرتها الأساسية إلى أن الدستور بشكله الذي صدر فيه عام 2014 ليس قابلاً للاستمرار. وهي رؤية السيسي الذي وجه له انتقادات عديدة، ووصفه مراراً بـ"دستور النوايا الحسنة التي لا تكفي لبناء الوطن". وبناء على ذلك، فإن تعديل هذا الدستور يتطلب عدة مراحل، تم إنجاز أولها العام الماضي بإعادة تنظيم هيكل السلطتين التنفيذية والتشريعية، كإتاحة بقاء السيسي في السلطة إلى عام 2030 وبسط سيطرته على القضاء واستحداث مجلس الشيوخ. والمرحلة الثانية قادمة قريباً لا محالة، وستتضمن حذف وتعديل بعض المواد التي تشكل عبئا على الممارسة العملية للنظام وتكبل سياساته، كما تسبب نوعاً من التناقض بين المواد القديمة والجديدة التي أدخلت في التعديل السابق. ومن بين المواد المستهدفة في التعديل تغيير نظام تعديل الدستور، وحذف مواد العدالة الانتقالية وتقييد تعديل بعض النصوص، والمواد الخاصة بالمحليات والأحزاب والرقابة على الصحف.

من بين المواد المستهدفة في التعديل تغيير نظام تعديل الدستور وحذف مواد العدالة الانتقالية وتقييد تعديل بعض النصوص

وسبق أن قالت هيئة كبار العلماء بالأزهر، في خطاب أرسلته إلى رئيس البرلمان علي عبد العال في يوليو/تموز الماضي، إنّ "نقل تبعية دار الإفتاء إلى الحكومة أمر ينطوي على مخالفة دستورية، ومساس باستقلال الأزهر، وجعل رسالته مشاعاً لجهات أخرى لا تتبعه". ورفضت الهيئة إنشاء مركز لإعداد المفتين برئاسة المفتي، بدعوى إعداد الكوادر العلمية التي تشتغل بالإفتاء، وإكسابهم المهارات اللازمة لذلك، وتأهيلهم داخل مصر وخارجها، وإصدار شهادة دبلوم يعادلها المجلس الأعلى للجامعات، معتبرة أن هذا "يعد افتئاتاً على جامعة الأزهر، التي تختص بإصدار الشهادات العلمية في العلوم الإسلامية". كما اتهمت الهيئة مشروع القانون بالاعتداء على اختصاصها واستقلالها، فيما يخص ترشيح الهيئة لمفتي الجمهورية، إذ إن التشريع سلب اختصاصها، من خلال منحه الفتوى الشرعية لأحد الوزراء في السلطة التنفيذية، وتخويله سلطة ندب من يحل محله عند خلو منصبه، بما يؤكد زوال جميع الضمانات التي كفلها الدستور والقانون لاستقلال الأزهر وهيئاته، وإسناد رسالته إلى الحكومة.
ولطالما مرت العلاقة بين السيسي والطيب بتوترات. فعلى الرغم من أن الإمام الأكبر، كان أحد أبطال مشهد الثالث من يوليو/تموز 2013، حيث كان حاضراً وقت إلقاء السيسي بيانه بعزْل الرئيس المنتخب محمد مرسي، لكن بيانه كان مقتضباً ولم تبدُ عليه فرحة كبيرة وتفاؤل بما يحدث. وبعد البيان الذي ألقاه السيسي مساء ذلك اليوم، والذي تم بموجبه عزل مرسي، وتعطيل العمل بالدستور، وأداء رئيس المحكمة الدستورية العليا عدلي منصور اليمين أمام هيئة المحكمة كرئيس مؤقت للبلاد، وتحديد موعد لإجراء الانتخابات الرئاسية، ألقى الطيب بياناً قال فيه إنه تبين من خلال الاجتماع أن "مصر الآن أمام أمرين، أحلاهما مر، وأن أشدهما مرارةً هو صدام الشعب المصري وسيلان دمائه في الشارع". وأضاف أنه كان من الضروري تأييد الرأي بانتخابات رئاسية مبكرة يحتكم فيها الشعب إلى صندوق انتخاب يضمن نزاهته، ليختم كلمته بجملة "أسأل الله أن تَسْلم مصر".
ومنذ ذلك الوقت، تشهد العلاقة بين الطيب والسيسي توترات بين الحين والآخر، إذ بدا الرئيس في أكثر من موقف متربصاً بالطيب. وكان منها عندما وجّه إليه عتاباً أثناء الاحتفال بعيد الشرطة في عام 2017، بقوله "تعبتني يا فضيلة الإمام"، وذلك في سياق حديثه عن ضرورة تغيير الموقف الشرعي من قضية "الطلاق الشفهي"، واعتباره كأن لم يقع إذا لم يتم توثيقه. وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2018، وقع سجال بين السيسي والطيب خلال الاحتفال الرسمي للدولة بذكرى المولد النبوي، والذي شنّ فيه شيخ الأزهر هجوماً عنيفاً على الداعين إلى استبعاد السنة النبوية من التشريع، وهو ما وصفه مراقبون بأنّه كان موجَّها لرئيس الدولة، الذي دأب على توجيه انتقادات للخطاب الديني، داعياً إلى تنقيته تحت شعار التحديث. والأمر تكرر في نوفمبر 2019، إذ أثارت كلمة الطيب في الاحتفال بذكرى المولد النبوي، التي خصصها للحديث عن خطبة الوداع، حفيظة السيسي، إذ قال إن "النبي أول من وضع دستوراً عالمياً لحماية الدماء والأعراض والأموال. فقد كان أول بند من بنود خطبة الوداع تحذير العالم أجمع من فوضى الدماء والعبث بالأموال والأعراض". ونفى السيسي في كلمته بعد الطيب نفياً قاطعاً "طمعه في حكم مصر"، مشيراً إلى أنه "لم يكن ينوي الترشح لرئاسة الجمهورية".