السياسة الخارجية التركيّة تحدّد تحالفات ما بعد الانتخابات

السياسة الخارجية التركيّة تحدّد تحالفات ما بعد الانتخابات

01 نوفمبر 2015
أردوغان لوّح بالورقة الاقتصادية في وجه بوتين (الأناضول)
+ الخط -


تكاد خيارات الأحزاب التركية الرئيسية تكون متعارضة تماماً في معظم القضايا المتعلقة بالشأن الخارجي، الأمر الذي شكّل المعضلة الأهم والسبب الأقوى لفشل التحالف الحكومي الكبير الذي عمل عليه حزب "العدالة والتنمية" وحزب "الشعب الجمهوري" (أكبر أحزاب المعارضة) بعد الانتخابات الأخيرة، لذلك من المتوقع أن تكون نتائج الانتخابات الحالية ذات ثقل كبير على توجهات السياسة الخارجية التركية، في حال فشل "العدالة والتنمية" في استعادة الغالبية البرلمانية أو في التحالف مع حزب "الحركة القومية".

سياسات "العدالة والتنمية"

على الرغم من الأزمة الكبيرة التي عانتها الخارجية التركية في الشرق الأوسط بعد إخفاقات الربيع العربي ومن ثم الثورات المضادة، شهدت العلاقات الخارجية التركية، أخيراً، الكثير من التغيّرات، وكان أبرزها تغيّر خارطة التحالفات بشكل واضح في المنطقة إثر التغوّل الإيراني بعد الاتفاق النووي، وتحوّل الرياض إلى الحليف الإقليمي الأكبر لأنقرة، الأمر الذي بدا واضحاً بدعم تركيا للحملة العسكرية التي شنّها التحالف العربي بقيادة السعودية لمساندة الشرعية في وجه الحوثيين وقوات الرئيس اليمني المخلوع علي عبدالله صالح، وأيضاً التنسيق الواضح بين الطرفين في ما يخص الحرب السورية ودعم المعارضة، والذي تبلور بشكل واضح في الموقف المشترك بين الطرفين في اجتماعات فيينا الأخيرة. في الوقت الذي لم تتغيّر فيه العلاقات الدبلوماسية المتردية مع كل من إسرائيل وإيران وبغداد.

أما عن العلاقة مع روسيا، فإن التدخّل الروسي في سورية والضربات الجوية التي وجّهتها موسكو لحلفاء أنقرة في المعارضة السورية والخروقات الجوية المتكررة للأجواء التركية من الطيران الروسي، عوامل أدت إلى تردٍ واضح في العلاقات بين الطرفين بشكل كبير، إلى درجة أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لوّح بالورقة الاقتصادية في وجه نظيره الروسي فلاديمير بوتين، إذ إن أنقرة تُعتبر من أهم الشركاء الاقتصاديين لموسكو، وترافق ذلك مع عودة تركية إلى مقعدها السابق كحليف استراتيجي لحلف شمال الأطلسي.

وبعد أن شهدت العلاقات التركية الأميركية تحسناً كبيراً إثر توقيع الاتفاقية المشتركة الخاصة بتدريب وتسليح المعارضة السورية، ومن ثم فتح القواعد العسكرية الجوية التركية في كل من أضنة (إنجرليك) ودياربكر ومالاطيا في وجه طائرات التحالف، إلا أن "المنطقة الآمنة" التي أرادت تركيا إقامتها في سورية وعارضتها واشنطن، والعلاقة مع حزب "العمال الكردستاني"، كانتا المصدرين الأكبرين للمشاكل بين الطرفين. وبينما نجحت أنقرة في استغلال إعلانها الحرب على "الإرهاب" لتوجيه ضربات قوية لـ"العمال الكردستاني" وسحب الشرعية التي اكتسبها بعد قتاله لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، إلا أن العلاقة مع جناح "العمال" السوري، أي حزب "الاتحاد الديمقراطي"، بقيت مصدراً مستمراً للمشاكل، خصوصاً في ظل الطموحات التوسعية للأخير بضم ريف حلب الشمالي إلى مناطق سيطرته وبالتالي السيطرة على البوابة الجنوبية التركية، ما دفع الجيش التركي إلى توجيه ضربات له في المرتين اللتين حاول خلالهما عبور الفرات غرباً.

أما عن العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، فقد شهدت تحسناً كبيراً مدعوماً بورقة اللاجئين التي استخدمتها تركيا بشكل جيد، لإعادة إحياء عملية التفاوض مع الاتحاد، والحصول على ميّزات في ما يخص تنقّل الأتراك في الاتحاد، وأيضاً المزيد من المساعدات للمساهمة في مساعدة اللاجئين.

اقرأ أيضاً: عشية الانتخابات التركية... لا صوت يعلو فوق المزايدات القومية

السياسة الخارجية بعد الانتخابات

من غير المتوقع أن تشهد السياسة الخارجية التركية بعد الانتخابات، أي تغيير يذكر في حال استطاع حزب "العدالة والتنمية" التفرّد بالحكم، أو حتى تكوين ائتلاف حكومي مع حزب "الحركة القومية". فالأخير يمكن اعتباره من الأحزاب القومية التي ترى في الخارج، أي خارج، مصدراً للإزعاج لا أكثر، ولا تعنيه السياسة الخارجية كثيراً، بل كل ما يعنيه الصراع الداخلي مع "العمال الكردستاني"، وبالتالي فإن حزب "الحركة القومية" سيدفع باتجاه المزيد من التشدد مع "الكردستاني" وجناحه السوري بما قد يصل إلى توجيه ضربات عسكرية للأخير.

أما في حال حصول ائتلاف بين "العدالة والتنمية" و"الشعب الجمهوري"، فيبدو أنه سيواجه الكثير من الصعوبات، وخصوصاً في الاتفاق على السياسة الخارجية، التي يريد "الشعب الجمهوري" إحداث تحوّل جذري فيها، لا يتناسب مع الوضع التركي التاريخي كحليف للغرب وخصوصاً في ظل الظروف الحالية.

وعلى الرغم من التغيير الكبير في اللهجة ضد اللاجئين السوريين في برنامج "الشعب الجمهوري" الانتخابي، إلا إنه لم يطرأ تغيير كبير على موقف الحزب الموالي للنظام السوري، سوى باستخدام لهجة أقل وضوحاً في دعمه.

ويؤكد البرنامج أن "الحزب لن يتخذ سياسات خارجية طائفية، لذلك سيقوم بتعزيز العلاقات مع كل من مصر وإسرائيل وسورية، ويعيد فتح السفارات". ووفقاً لرئيس الحزب كمال كلجدار أوغلو، فإن "الشعب الجمهوري يريد الابتعاد عن السياسات التركية الحالية بما يتعلق بالحرب السورية، وسيتخذ موقفاً حيادياً، وسيقوم بالعمل مع كل من المعارضة السورية والنظام السوري لحلّ الوضع. وسيبقي على العلاقات مع المعارضة، وسيعمل على الاتصال بالحكومة السورية".

وبعد فشل برنامج تدريب وتسليح المعارضة السورية "المعتدلة"، تعهّد "الشعب الجمهوري" بـ"إنهاء العمل بالاتفاقية الموقّعة مع واشنطن في هذا الشأن"، معتبراً إياها "مخالفة للقانون الدولي وعلاقات حسن الجوار". كما يبدو أن الحزب ينوي التراجع عن مشروع "المنطقة الآمنة"، إذ يضع كلجدار أوغلو شرطاً واحداً من أجل إنشاء هذه المنطقة، وهو أخذ الإذن من النظام السوري ودعم قوى التحالف الدولي ضد تنظيم "داعش".

أما عن حكومة أقلية بين "الحركة القومية" و"الشعب الجمهوري"، وإن كانت احتمالاتها ضعيفة للغاية، لأنها ستحتاج دعم حزب "الشعوب الديمقراطي" (ذي الغالبية الكردية)، إلا أنه يبدو الائتلاف الأكثر قدرة على تحقيق تغييرات جذرية في السياسة الخارجية التركية، تجعل من أجندة الشعب الجمهوري واقعاً، باستثناء العلاقة مع "الكردستاني" وجناحه السوري، والتي يبدو بأنها ستكون العقبة الأكبر في وجه أي ائتلاف يحتاج دعم "الشعوب الديمقراطي".