السياسة التونسية بين الواقع والمأمول

السياسة التونسية بين الواقع والمأمول

16 سبتمبر 2018
+ الخط -
على الرغم مما يقال إن الثورة التونسية مثال للنجاح مقارنة بثورات الربيع العربي، إلا أن الأزمة السياسية القائمة تنفي ذلك، لأنه وفقا للتعريف، مفهوم الأزمة يعني أن هناك حادث، أي واقعة وصراع، وهو ما يعني أيضا أن السلطة المنتخبة غير قادرة على أن تسيطر على الوضع، بإنقاذها الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، فالأزمة سياسية بامتياز، وهي نتاج تراكمات سياسية سلبية بلغت مستوى العجز عن تسيير دواليب الدولة (إدارة، مجتمع، مؤسسات...). بلغت السلطة مستوى عدم التحكّم في بعض المؤسسات، فوزارة التربية، مثلا، ليست تحت سلطة الحكومة وإشرافها، هناك اهتزاز للكيان الإداري الذي أسّس للأزمة في ظل التنازع والتكالب على السلطة.
كل الحكومات لها تقلبات وأزمات سياسية، ونحن في طور الانتقال الديمقراطي، أو ما تسمّى الديمقراطية الناشئة، لكن هذا لا يعطي شرعية لشبه الغياب الكلي لسيادة القانون. نحن في تونس اليوم نعيش أزمة مفاهيم، على الرغم من أنّ الديمقراطية القرطاجية من أقدم الديمقراطيات، وقد أعجب وأشار إلى ذلك أفلاطون في كتابه المعنون بالسياسة. لكننا اليوم نعيش في تونس كغيرها من باقي البلدان العربية، ما يعرف بأزمة إدارة الحوار، لهذا وجهنا أصابع الاتهام للرباعي الراعي للحوار بتسميم المشهد السياسي، فالرؤية معه أصبحت ضبابية وغير واضحة، ولربما ذلك نتاج سيكولوجية المرحلة، باعتبار أننا في طور الانتقال الديمقراطي، فلا وجود لديمقراطية بل لديمقراطيات، ولا وجود لديمقراطيات من دون ديمقراطيين، فالثورة سيرورة وليس كن فيكن، والتاريخ تراكم والسياسة تقديم الإضافة والمكاسب الوطنية للشعب.
من تسبّب في الأزمة السياسية التونسية هم منتحلو الصفة والدخلاء عن الحیاة السياسية، بالإضافة إلى الأنانية والمصلحة الذاتية وغياب الحوكمة الرشيدة واستشراء الفساد، على الرغم من أنّ هناك تخمة من التشريعات والقوانين لمكافحة الفساد، إذ کلما تحدثنا عن الفساد و حاربناه نما واستقوی، وهو ما یدل على أنّ هناك حلقه مفرغة في الوسط تتطلب المعالجة، فالوضع السياسي معقد للغاية، وقد تم تنبيه السلطة من ذلك قبل استفحال الأزمة.
نوجه أصابع الاتهام إلى الرباعي الراعي للحوار، هو ظاهريا يعتبر رباعي راعي للحوار، ولكن باطنيا هو المتهم في تسميم المشهد السياسي، الأمر الذي يتطلب منه إبداعا سياسيا جديدا وعقلانية ونظرة وبعد استشرافيا.
سأقول كلمة وأترك المجال للمحللين السياسيين التونسيين والعرب للتحليل: تونس أتتها فرصة تاريخية مباشرة بعد اعتصام الرحيل، لكن الماسكين بالسلطة لم يحسنوا استغلال تلك الفرضة الذهبية والثمينة، وهذا دليل قاطع على أنه لا يوجد أيّ تصوّر تنظيمي لهذه الحكومة.
التونسيون في حاجة إلى الدولة الاجتماعية، لأن الطبقة الوسطى تآكلت واضمحلت، وهذا يتطلب أن تكون هناك روابط سياسية اجتماعية، لأنه من المهام الموكولة للدولة المدنية حسن قيادة الاقتصاد الوطني، فنحن ينقصنا تعاليم الاقتصاد الوطني، بعد نفوذ رجال الأعمال والمهربين.
الأزمة السياسية التونسية معقدة للغاية، والرباعي الراعي للحوار، نشأته والغاية من تأسيسه، مشكوك فيه، هذا الرباعي في بدايته كان راعي للحوار، ولكنه من سبّب الأزمة السياسية، لأن مكوناته ليست كلها أحزاب سياسية، وهذا يعني أن لنا في تونس من هو في السلطة من دون الاحتكام إلى الوسائل الديمقراطية، ومن دون اعتماد الصندوق، وهو ما جعل بعض الأحزاب الصغرى تتسلل للسلطة من دون انتخابات، وهو ما دفع بي شخصيا إلى المطالبة بحل الحكومة والبرلمان وإجراء انتخابات مبكّرة، نراها في مصلحة تونس.
35F0585F-DC7B-49D6-B924-F1C70589ED09
35F0585F-DC7B-49D6-B924-F1C70589ED09
عزري ثابت (تونس)
عزري ثابت (تونس)