السلطة الفلسطينية وخيار فك الارتباط

السلطة الفلسطينية وخيار فك الارتباط

24 فبراير 2018
+ الخط -
ما زلنا نعيش التداعيات الرسمية والشعبية للاعتراف الأميركي بمدينة القدس كعاصمة لدولة الاحتلال، ومن ضمن هذه التداعيات تصديق اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير على القرار الصادر عن المجلس المركزي الذي يطلب من قيادة السلطة تحضير وترتيب الأوضاع الفلسطينية لتنفيذ فك ارتباط شبه كامل مع الاحتلال. وهو القرار الذي يتقاطع ظاهرياً مائة بالمائة مع طلبات ورغبات الغالبية العظمى من الفلسطينيين إن لم نقل مع جميع الفلسطينيين أينما كانوا.
لكن وعلى الرغم من حاجتنا لفك الارتباط وبأسرع وقت ممكن غير أننا بحاجة للتمعن في جميع تجاربنا الفلسطينية، ولا سيما المرتبطة منها بهذا الموضوع أي موضوع فك الارتباط، وهو ما يدفعنا لاستحضار التجربة الغزية ما بعد سيطرة حركة حماس عليها، حيث حاولت حماس الإيحاء بقدرتها على تشييد حكم ذاتي ومستقل داخل قطاع غزة دون أي شكل من أشكال الارتباط مع الاحتلال، غير أن الواقع الحقيقي للقطاع كان يتمثل بارتباط غير مباشر بين القطاع والاحتلال أو بين حماس والاحتلال، ولا سيما في ما يتعلق بحركة المعابر التي عانت كثيرا نتيجة لقيود الاحتلال وشروطه، وتزويد القطاع بالتيار الكهربائي وتحويل الرواتب والموازنة المالية للقطاع والكثير من الأمور المصيرية والرئيسية. إلا أن الحركة قد نجحت في إيقاف التنسيق الأمني المباشر وغير المباشر مع الاحتلال في مقابل فرض الاحتلال حصارا كاملا على القطاع وإن تخلله فتح معبر رفح مع مصر لبعض الفترات القصيرة وغير الدورية والمتباعدة غالباً وذات الشروط القاسية والمحددة لهوية المسموح لهم بالعبور. ليستمر هذا الوضع منذ عام 2007 إلى العام الماضي الذي شهد النتائج الحقيقية لمحاولات فك الارتباط من طرف واحد، أو بالأصح شهد رد الاحتلال الحقيقي والشامل على أي محاولة لفك الارتباط أو للإيحاء به من طرف واحد من خلال فرضه الحصار الثلاثي الكامل والشامل دون أي رحمة أو تمييز بين سكان القطاع والحكومة –الحركة- المسيطرة عليه، لتتقاطع الممارسات والسياسات المصرية والفلسطينية ممثلة بسلطة رام الله والصهيونية على القطاع مانعة عنه وعن سكانه التيار الكهربائي بشكل شبه كامل، وتخفيض كبير في حوالات القطاع المالية بما فيها رواتب موظفي السلطة في قطاع غزة، كما شهد معبر رفح الأغلاق الأكبر منذ سيطرة حماس على القطاع حتى في وجه الحالات الإنسانية أو حركة السلع والمواد الضرورية بما فيها الطبية لتصل أيام فتح المعبر إلى 21 يوماً فقط على مدار العام كاملاً، فضلاً عن تصعيد مصري إعلامي وميداني عمل على تدمير وهدم أكبر قدر ممكن من الأنفاق بين غزة ومصر - سيناء - والتي كانت تشكل إحدى منافذ القطاع الرئيسية لكسر الحصار، بالتزامن مع تصعيد الاحتلال لغاراته الجوية التي تستهدف تدمير بعض الأنفاق أيضاً داخل القطاع والتي راح ضحيتها العديد من الشهداء الفلسطينيين داخل غزة. ليجسد المشهد الغزي تحول القطاع إلى سجن محكم وشديد الحصار والخنق، مما دفع حركة حماس للبحث عن مخرج لائق من هذا الوضع غير القابل للاستمرار، واختيار الخيار الأقل وضوحاً عبر دعوة حركة فتح للمصالحة ولعودة سيطرتها على القطاع، أي بمعنى آخر لعودة جميع مظاهر وأشكال التنسيق بين السلطة المسيطرة على غزة وبين الاحتلال.
ويعيدنا هذا الواقع البائس إلى الحقيقة المرة التي تحاول السلطة وربما منظمة التحرير حجبها عن أعيننا، والمتمثلة بأن كلا من مناطق السلطة سواء في الضفة الغربية أو في قطاع غزة هي مناطق محتلة بشكل غير مباشر، أي أن جميع اتفاقات السلام المعقودة بين السلطة والاحتلال وبإشراف المجتمع الدولي، وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية قد صيغت بصورة تكفل للاحتلال التحكم والسيطرة على جميع مظاهر الحياة داخل مناطق السلطة، سواء المعرفة كمناطق (أ) أو (ب) أو (ج) فلا فرق سياسياً وواقعياً بينها، فهناك استحالة لإقامة أي شكل من أشكال الاستقلال والاكتفاء الفلسطيني في أي منها. وعليه فإن جميع حملات السلطة الفلسطينية في رام الله لانتزاع اعتراف دولي بالدولة الفلسطينية لا تعدو أن تكون محاولة لذر الرماد في العيون، إن لم نقل إنها تساهم في إعطاء صورة محلية ودولية كاذبة عن حقيقة الواقع المفروض علينا وفقاً للاتفاقات المدانة أصلاً فلسطينياً، كما تساهم بصورة مباشرة وغير مباشرة في تجميل الاحتلال أولاً وفي زيادة تعقيد وصعوبة فك الارتباط الحقيقي والفعلي والكامل ثانياً.
وبما أننا ننطلق أولاً من تأكيدنا على ضرورة فك الارتباط مع الاحتلال وبصورة كاملة وبأقرب وقت ممكن، فمن المفروض علينا التدقيق في الواقع الحقيقي لاتفاقات السلام المبرمة منذ أوسلو حتى اليوم، فضلاً عن التدقيق في مجمل سياسات وتوجهات السلطة الداخلية والخارجية، خصوصاً التي جمّلت الاحتلال وحجبت واقعه المستمر حتى اليوم، بالإضافة إلى ضرورة تحليل وتقييم مجمل الوضع الإقليمي المحيط بنا، وخصوصاً الموقفين الأردني والمصري، كونهما الدولتين الوحيدتين المحاذيتين لمناطق السلطة الفلسطينية، واللتين ترتبطان بدورهما باتفاق سلام مع الاحتلال وبعلاقات شبه طبيعية معه ومع داعميه الدوليين، والتي تصل إلى درجة التبعية المطلقة، وهو ما سوف يشكل عاملا إضافيا ورئيسيا وحاسما في تقويض محاولات فك الارتباط الحقيقي أحادي الجانب.
وكمحصلة لمجمل الوضع الفلسطيني والإقليمي ونتيجة لنتائج النموذج الغزي، فإننا نجد أن أي توجه حقيقي لفك الارتباط يستلزم تغييرا جذريا وشاملا في مجمل البنية الرسمية الفلسطينية وفي مجمل توجهاتها وسياساتها، حيث لا يمكن التعويل على القيادة التي زجت بنا وبالقضية الفلسطينية في قفص الاحتلال، كما لا يمكن التعويل على نهج الاستسلام المتبع منذ اتفاق أوسلو. فنحن لسنا بحاجة لممارسة فك الارتباط كورقة ضغط على الاحتلال بغية تحسين ظروف الاحتلال، بقدر ما نحتاج لفك الارتباط كجزء لا يتجزأ من استعادة حركة التحرر الفلسطينية والعربية. وعليه فإن فك الارتباط المطلوب اليوم هو مقدمة لعودة تفعيل التعاون بين جميع قوى التحرر الشعبي في العالم، استناداً لخطاب فلسطيني واقعي ومبدئي ينقل واقع الاحتلال الحقيقي وممارساته الإجرامية كاملة من دون قيد أو شرط، وينطلق من جميع حقوقنا المستلبة منذ عام 1948 من دون تنازل أو استهتار. فبهذه الطريقة فقط نكون قد أعدنا أقدامنا إلى طريق الحرية والاستقلال الحقيقي، وبها فقط نستطيع استعادة جميع حقوقنا بعدما أضعنا عديد السنوات في الرهان على خيار خاسر وفاشل منذ بدايته.