السفيرة والحزب في لبنان

السفيرة والحزب في لبنان

29 يونيو 2020
تظاهر أنصار حزب الله رفضاً لمواقف السفيرة(أنور عمرو/فرانس برس)
+ الخط -

لم تمر ثلاثة أشهر على استلام السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا منصبها وتمكنت حتى الآن من تهريب العميل الاسرائيلي عامر الفاخوري عبر طائرة عسكرية، وإجهاض توجه لإقالة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وفتح مواجهة مع "حزب الله". أسلوبها يُحاكي تجربة سلفها جيفري فيلتمان، كما تمتد جذوره إلى ديفيد شنكر في وزارة الخارجية وطبعاً الرئيس دونالد ترامب. إشكالية هذا الأسلوب أنه يعود بنا إلى ما قبل عام 2009، أي جعل أميركا طرفاً في النزاع الداخلي مع فارق رئيسي أن لا الزعامات الطائفية ولا التظاهرات المناهضة لها تفضل هذا النوع من الاستعراض الدبلوماسي الذي يتجاوز بقايا صورة الدولة في لبنان.

"حزب الله" بدوره يستمر في معارك طواحين الهواء مع محاولة بهلوانية مستوحاة من ترامب لقمع حرية الإعلام عبر القضاء اللبناني، لأن الحزب فعلياً لا يرغب في مواجهة واشنطن، بل يفضل تسوية ما تحفظ نفوذه وتمنع انهيار المنظومة المحيطة به. إدارة ترامب تدرك هشاشة الحزب وتختبر مدى قدرتها على فرض توازن لبناني ضمن نزاعها النووي مع طهران. قبل عام 2009، كانت قيادات "14 آذار" والرياض في الخطوط الأمامية لمواجهة "حزب الله"، ودفعت ثمن ذلك عندما تركتها واشنطن وحيدة في ساحة المعركة. الآن تحفز السفيرة الأميركية على افتعال مواجهة مع الحزب، لكن بدون اندفاعة سعودية تجاريها فيما القيادات اللبنانية الحليفة لم تعد تثق بدعم واشنطن حتى النهاية أو أنها لن تسارع لاحقاً إلى تسوية مع طهران، والأهم من ذلك، هذه سنة انتخابات رئاسية لم يعد محسوماً فيها فوز ترامب.

هذا لا يعني أن استمرار "حزب الله" بأخذ لبنان رهينة مغامراته يجب أن يبقى بدون انتقاد منظومة التطويع التي يفرضها، لكن لهذه المقاربة الأميركية نتائج عكسية تضع أي معارضة داخلية للحزب ضمن أجندة ترامب المنحازة لإسرائيل. لا شيء يضر بـ"حزب الله" أكثر من تحقيق مطالب الانتفاضة الشعبية بتفكيك تحالفات المحاصصة الطائفية، ولا شيء يساعد "حزب الله" أكثر من مبارزة مع السفيرة الأميركية تصبّ في سرديته عن الخطر الخارجي. حلفاء واشنطن، من المصارف إلى الزعامات، هم أيضاً جزء من الفساد. دعم فاسد حليف لواشنطن ضد فاسد موال لـ"حزب الله" معادلة لا تخدم مصلحة اللبنانيين ولا تلبي طموحاتهم.

دلالات