السعودية وخيارات صعبة

13 فبراير 2016
+ الخط -
لم يكن مايجري اليوم في الخليج العربي من حالة الشد والجذب التي تعيشها بلدانه، إلا تعبيرا موضوعيا عن جملة التطورات الحاصلة في المنطقة، وخصوصا مشرقه العربي، والتي بدأت تأخذ شكلاً جديداً، بدأ حديثا مع سقوط العراق واحتلاله من الولايات المتحدة، بسبب حجة وكذبة امتلاكه أسلحة الدمار الشامل، ثم لاحقا التداعيات السلبية لهذا الاحتلال الذي لم يفلح إلا بتسليم العراق على طبق من ذهب للإيرانيين الذين لعبوا دورا بارزا في إرباك الأميركيين في المستنقع العراقي، من خلال سياسة ذكية، استطاعت أن تحقق مرادها على الصعيد الداخلي، بصرف أنظار أميركا والغرب عن النشاط النووي الإيراني المحموم والمتسارع.
خارجياً، لا يخفى على أي مراقب كيف استطاعت إيران تجنب التداعيات السلبية لاحتلال العراق وتحويلها إلى تداعيات إيجابية، تمثلت بالنتيجة إلى الانسحاب الأميركي والإحتلال الإيراني، ما أنتج معادلة تقاسم العراق بين إيران وأميركا. أمام هذا المشهد الدراماتيكي الذي عقب سقوط العراق سيجد الخليج نفسه، مرة أخرى، وجها لوجه أمام إيران الفارسية بأطماعها الإمبراطورية والتاريخية، من دون الحاجز التاريخي الذي تمثل بالعراق ومشكلاته من طوق حماية للخليج العربي، حيث شارك الخليج نفسه عبر سياسة غبية وقصيرة النظر بإيصال أنفسهم إلى ما فيه اليوم من وضع لا يحسدون عليه، وبينما لم تتوقف تداعيات الانكشاف الأول والمتمثل بسقوط العراق، حتى وصل العرب عموماً، والخليج العربي خصوصاً، إلى الانكشاف الثاني، والذي أفرزته ثورات الخريف العربي، ليجد نفسه أمام جردة حساب تاريخية، كشفت المستور الخليجي، ببعديه الداخلي والخارجي، حيث بينت التجربة التاريخية لهذه البلدان فشلا ذريعا على الصعيدين الخارجي والداخلي، وخارجيا كان سقوط العراق شاهداً على فشل السياسة الخليجية وعجزها عن إدارة أزمات العراق المتكررة، حيث كان الخليج مساهما رئيسيا في وضع نفسه وجها لوجه أمام إيران الفارسية.
على الصعيد الداخلي لهذه الدويلات، لم تكن مهيئة لشيء اسمه "ربيع" أو "خريف" عربي، بدأ في تونس غربا، حيث نزعت الثورات ورقة التوت الوحيدة التي كانت تغطي أنظمة الحكم وطبيعتها الدكتاتورية في العالم العربي من جهة، وكشفت هشاشة وضعف بنية المجتمعات العربية .
الآن، ماذا يعني هذا على صعيد المواجهة العربية "الخليجية" - الإيرانية الحاصلة على جبهات عدة في المشرق العربي، ابتداءا باليمن وانتهاءا بسورية؟
كل الصراعات السياسية والحروب دائما تخضع لمؤثرات موازين القوى الداخلية والخارجية لكل طرف من أطراف الصراع. وانطلاقا من هذه القاعدة، فإن المواجهة "المحتملة" بين السعودية كرأس متقدم ومستهدف في الخليج وبين إيران، ستضع العربية السعودية في وضع لا تحسد عليه. ولأن المواجهات بين الأمم هي الامتحان التاريخي لقوى الأمة، فإن قوى الأمة في الجهة الخليجية ضعيفة، في مقابل نظيرتها الإيرانية، حيث المواجهة "الساخنة" الآن، وفي أكثر من عاصمة عربية، وحدها برهان على هذا الضعف، وهذا الاختلال في موازين قوى الصراع السعودي – الإيراني، كما أن لعامل التمكين والإستعداد دور مهم لجهة السلب أو الإيجاب في معادلة الصراع. ووفق هذه المعادلة، تتموضع إيجابا في الساحة الإيرانية، وسلبا في الساحة السعودية والخليجية.
كانت إيران تمتلك كل مقومات الدولة القومية، والتي بحكم أنها دولة قومية و"حديثة"، فإنها، بحكم التعريف، لا يمكن أن تفرّط بمصالحها القومية قط، الذي يقتضي دورا توسعيا، أي بمعنى آخر تصبح هذه الدولة ذات طبيعة توسعية ونهبية، وهذا ليس جديداً في تاريخ الدولة القومية، فإن ما تقوم به إيران اليوم من محاولات الهيمنة والتوسع، وبأشكال قوى غير تقليدية، هو ما يذكّر بتاريخ الدولة القومية التقليدية كما تجلت في التاريخ الأووربي، والذي أفرزت من خلاله هذه الدولة الظاهرة الاستعمارية التي توسعت من أجل السيطرة والهيمنة لتتمم بناء نفسها كدولة قومية، ولن يتم ذلك إلا بالاعتداء على الآخر الضعيف، وهذا ما تقوم به إيران اليوم، وبشكل جديد ولئيم، مستغلة البعدين، المذهبي والطائفي، وبانية عليه من دون أن يكون هذا العامل هو المحرك الرئيس لعدوانية الدولة والثورة الإيرانية تجاه جيرانها العرب، كما أن ملف المفاعل النووي الإيراني أفرز "تحولات" ملحوظة ومؤثرة على المستويين، الإقليمي والدولي، لصالح إيران، ومن خلال علامات الدور الإقليمي لإيران، بوصفها شرطياً جديداً.
ولسياسة الخليج الدور الأكبر في هذا التمدد والتغول الإيراني، ولا أقول جديدا إن ذكرت أن الضعف العربي هو الذي ساهم في جعل إيران تتقدم وتنتصر علينا في أكثر من مكان، ولأن "الحرب الباردة" الإيرانية العربية - الخليجية انتهت، وبدأت الحرب الساخنة في كل من سورية والعراق واليمن، فالخليج العربي، بقيادة السعودية، أمام مفترق طريق تاريخي جديد، يفترض خوض هذا الصراع بسياسة حديثة وجديدة، تعتمد البعدين القومي و"الشعوبي"، وما أقصده أن لا يقف الخليج والمملكة في وجه التحولات الجارية في الوطن العربي والإنتصار لثورات الشعوب، لا مساندة الدكتاتوريات القديمة أو الحديثة والمستحدثة.
avata
avata
صالح سلطان (سورية)
صالح سلطان (سورية)