السر وراء تقدم نوير إلى منتصف الملعب

السر وراء تقدم نوير إلى منتصف الملعب

14 ديسمبر 2014
+ الخط -


"المراكز والأماكن داخل المستطيل الأخضر؟ إنها كلمة تسويقية يتم تداولها في الصحف والإعلام، لا أكثر ولا أقل، لأن هذه المسميات توجد فقط داخل الغرف المغلقة وعلى جدران اللوحات التكتيكية، لكنها لا تعني شيئا بالنسبة للرجل المتطور غير التقليدي الذي لا يعبأ بهذه التابوهات"، يشرح مانويل نوير وجهة نظره حول العالم الفني لكرة القدم، ويؤكد أنه من رواد المدرسة الحالمة التي تسعى دائماً نحو الابتكار والتجديف عكس التيار.

لذلك كان الحارس المرشح لجائزة أفضل لاعب في العالم لهذا العام أحد أكثر الأشخاص سعادة بقدوم الإسباني بيب جوارديولا إلى قلعة بافاريا من أجل تدريب بايرن ميونخ، لأن الثنائي يتفق في فهم اللعبة بطريقة مغايرة، والرغبة في الإتيان بالأشياء الجديدة القابلة للتطور شريطة النجاح والوصول إلى الكمال الكروي المطلوب.


الصورة الشهيرة
انتشرت صورة غريبة من داخل مكتب بيب جوارديولا أثناء تحضيره لإحدى المباريات، ووضح خلال اللقطة تركيز غير عادي من الفيلسوف أمام الحاسوب الخاص به، مع لوحة تكتيكية بيضاء بها بعض الرسومات الفنية العادية، لكن الشيء الغريب كان وجود حارس المرمى في موقع متقدم للغاية، لتتكرر هذه اللقطة في معظم مباريات البايرن هذا الموسم.

يهاجم الفريق الألماني بكل ما أوتي من قوة ويتقدم مانويل نوير بعيداً عن منطقة الجزاء، ليصبح مدافعا صريحا في كثير من المباريات، ويصعد أكثر حتى يصل إلى قرب منتصف الملعب في بعض الأحيان، وكأنه لاعب وسط صريح أو ارتكاز دفاعي وليس حارس مرمى يحمي شباك المرمى من الأهداف.

ورغم اشتهار نوير بتقدمه المبالغ فيه خلال أيامه مع شالكه ثم فترته مع يوب هاينكس، إلا أن الجرأة زادت عن الحد الطبيعي مع جوارديولا، وصار الحديث الأشهر على مواقع التواصل الاجتماعي خاص بتدخلات نوير وعلاقته الوطيدة بمدربه جوارديولا، الذي حوّله من حارس جريء إلى لاعب كرة قدم مغامر، وربما مجنون.

الحاضر يختلف
لعب بايرن رفقة هاينس باستراتيجية الدفاع الكامل، طريقة تجمع بين دفاع المنطقة Zone ودفاع الفرد Man، أي فريق يلعب بضغط عال جدا مع وجود خط خلفي متأخر. واحتاج الثعلب العجوز إلى لياقة بدنية قاتلة، مع ثنائي ارتكاز على أعلى مستوى بدني، وأطراف تجيد التحول من الجناح إلى الوسط أثناء الضغط، لذلك حصل خافي مارتينيز، روبين، ريبري، شفاينشتايجر على معظم المديح من المتابعين والجماهير.

وبالتالي حينما يضغط بايرن بشكل قوي، يوجد خط دفاع متأخر أمام نوير. لكن مع تكتيك جوارديولا، أصبح الفريق يلعب بضغط عال مع تقدم للجميع حتى أصبح الفارق بين الهجوم والدفاع صغيرا للغاية، وهذه الفلسفة مقصودة من الرجل الذي يعشق الحصول على الكرة وخنق المنافس في مناطقه، وبدون مانويل نوير، كان التفكير في هذه التحولات التكتيكية أمرا في غاية الصعوبة.

ويعتبر حارس مرمى المانشافت هدية حقيقية لجوارديولا، فهو مناسب جداً لكرة التمرير وبناء الهجمة من الخلف بالإضافة إلى إخراج الكرات من الدفاع إلى الهجوم، لذلك اختفت الكرات الطولية وقلت التمريرات البعيدة وابتعد خط دفاع بايرن عن حارس مرماه، وراهنت الإدارة بقيادة كارل هاينز رومينيجه على المشروع الجديد.

قرار فردي؟
يعتقد بعضهم أن خروج نوير المتكرر أمر فردي بحت، لأنه معتاد على هذه الأفعال قبل مجيء جوارديولا، وأن المدرب السابق لبارسا ينزعج من تصرفات حارسه العنترية، لكنّ حديثاً سابقاً لنوير مع "بيلد" الألمانية قطع الشك باليقين، وأكد وجود تفاهم مستمر وتطور واضح في علاقته الكروية مع جوارديولا، وأن حليق الرأس بمثابة المدير الفني الذي يرتاح كثيراً لأساليبه وأفكاره التي تناسبه، وتجعله أقرب اسم ممكن لعقلية مانويل.

"مع بيب، نحاول التحكم الكامل في مجريات اللعب، ونلعب الكرات في أضيق الأماكن عوضاً عن اللعب المباشر الطويل. وفي السابق كان الاعتماد أكبر على المهاجم ماريو ماندزوكيتش الذي يستلم الكرات في الثلث الأخير، مع دور محدد لي خاص بالتصدي للكرات وحماية المرمى، أما الآن يبحث الزملاء عني من أجل المساهمة في بناء الهجمات، وأصبح لي دور أكبر في طريقة اللعب"، جانب من تصريحات الحارس للصحيفة الألمانية.

ويضيف قائلاً "بالنسبة لي، طريقة جوارديولا هي الأفضل، لأنها تشعرني بقيمتي وأهميتي كلاعب مع الفريق، وليس فقط حارس مرمى"، لذلك يبدو أن تعليمات بيب تتفق إلى حد بارز مع رغبات وتطلعات نوير، والأمر لا يتعلق فقط بالتمرير والمشاركة في الهجمات، بل القيام بالتغطية الكاملة وراء خط دفاع لا يعرف العودة إلى الخلف.

الدور المتكامل
تكتيكياً، هناك حراس أقوياء جداً في الكرات العالية، وآخرون في قمة البراعة عند التصدي للتسديدات الأرضية، ولا ننسى هؤلاء القادرين على مواجهة مهاجمي الخصوم أثناء الانفراد بالمرمى. أما الآن تحترم قوانين اللعبة كل ما يقدمه عظماء الحراس، ولكن أصبح التمرير وإجادة بناء الهجمة والقيام بدور اللاعب رقم 11 عنصرا رئيسيا في التقييم النهائي لمركز حامي العرين.

"حارس المرمى هو لاعب يرتدي قفازا"، يتحدث جوارديولا عن رأيه في مركز الحراسة، وهو بهذا التصريح الذي يوضح أهمية وجود شخص يجيد لعب الكرة كأي زميل آخر، من أجل الوصول إلى الهدف المنشود في النهاية، ألا وهو تحقيق وحدة الأداء على الصعيدين الدفاعي والهجومي، وتقديم كرة حديثة يقوم أساسها على عدم التوقع ومفاجآة الخصوم.

أما أوليفر الذي كان حارس ألمانيا الأسطوري فيعترف بأن نوير أضاف بعدا آخر لهذا المركز، بقدرته على أداء مهام يصعب على أي حارس آخر القيام بها، لذلك لم يعد حارس المرمى يجيد مركز "الليبرو" عند تقدم دفاعه، بل من الممكن أن يتضاعف هذا الدور ليشمل مهام أخرى، كتغطية مركز الظهير ولاعب الوسط الدفاعي، وفي بعض الأوقات يصبح نوير لاعب وسط صريحاً بتقدمه حتى منتصف الدائرة.

التطرف الكروي
"يقوم المهاجم بإضاعة خمسة أهداف ثم يسجل هدفا أو اثنين فيصبح بطلا، أما حارس المرمى فيتصدى لعدة كرات مستحيلة، لكنه يُخطئ في لعبة فيصبح متهما من وجهة نظر الغالبية العظمى من المتابعين، هكذا هي كرة القدم، قاسية على حماة الركن الأخير من المستطيل الأخضر"، لذلك يعتبر خطأ الحارس أمرا صعبا ومعقدا من وجهة نظر النجم التاريخي لليفربول أيان راش.

وما يقوم به نوير خلال الفترات الأخيرة، يؤكد من دون أدنى شك أنه شخص يعشق المخاطرة ويحب اللعب بالنار أثناء المباريات، ومن الطبيعي والمتوقع أن يستقبل هدفا من خطأ أو تسرع في المستقبل القريب، والسؤال هنا ليس توقع متى سيحدث ذلك، بل كيفية ردود الأفعال حول أول خطأ قادم لمانويل نوير، والمؤكد أن جوارديولا يتوقع هذه اللحظة ولن ينسى كل بطولات حارسه بسببها.

كرة جوارديولا أقرب إلى المذهب اليساري، مع قليل من التطرف وكثير من الخروج عن المألوف، لذلك يعتقد الرجل -الذي سخر منه إبراهيموفيتش واصفاً إياه بالفيلسوف ليصبح هذا اللقب خاصا به إعلامياً وجماهيرياً على محمل الجد - أن المخاطرة تساوي كل النجاح، ولتحقيق ذلك ينبغي توقع بعض الهفوات التي تسبب قلقا حادا، لكن إذا سارت الأمور كما يجب، فإن النجاح وقتها يصبح مضاعفا، وهذا هو العنوان السائد حتى الآن وفق متلازمة "بيب-نوير".

رونالدو وميسي ونوير
"حارس متهور، فاشل، مضحك، لا يفعل شيئا عجيبا، فقط يصعد للأمام ويجامله الكثيرون معتقدين أنه الأفضل"، هكذا تبدو معظم الاتهامات التي تُصوّب تجاه حارس بايرن ومنتخب ألمانيا. ومن المنطقي أن توجد الانتقادات حول كل لاعب لكن الجزء الإيجابي الخاص بمانويل يكمن في تحوله إلى حالة تكتيكية خاصة، يختلف عليها بعضهم ويتفق بعضهم الآخر، وهذا مصير معظم المغردين خارج السرب.

يقول سويتشيرو هوندا مؤسس أحد أكبر شركات السيارات في العالم "على الرغم من أنني قمت بالكثير من الأخطاء، واحداً تلو الآخر، لكن ليس هناك خطأ أو فشل تكرر مرتين. لذلك، أؤكد لكم أن النجاح يمثل 1% من عملنا الذي ينتج عن 99% من فشلنا"، وتنطبق مقولة المبدع الياباني على كافة المجالات الأخرى من الحياة، بما فيها كرة القدم، لأن الفارق الرئيسي بين نوير وبقية حراس العالم يكمن في الجرأة، الجنون، المغامرة، قل ما شئت من صفات، لكن عليك أن تعترف أن حركات الحارس الألماني تثير الاهتمام والمتابعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي أكثر من أي اسم منافس له.

وحينما تم اختيار الثلاثي "ميسي، رونالدو، نوير" لقائمة "البالون دور" لهذا الموسم، لم يكن الأمر أبداً بين نجمين لكرة القدم وحارس مرمى متألق، بل المقارنة كانت وستكون بين ثلاثة لاعبين، لأن مانويل نوير فرض اسمه على الجميع برغبته الجارفة وتوافق الكيمياء الخاصة بينه وبين جوارديولا، لصناعة صيحة جديدة في حراسة المرمى في العالم، ليصبح التعريف الجديد لهذا المركز، لاعب يحكم الثلث الدفاعي الأخير.

المساهمون