السرير الفارغ

السرير الفارغ

26 يناير 2020
مارك برادفورد/ الولايات المتّحدة
+ الخط -

لم يستيقظ إلا لرغبته الشديدة بسيجارة صباحية. الشمس أشرقت منذ قليل. الهدوء يملأ زوايا المكان. يصعب عليه فهْم سبب وجود خمسة أسرّة أخرى في نفس الغرفة. أربعة اشخاص لا يميّز ملامحهم. صوت شخير أحدهم يعلو. أمّا السرير الأخير فيخلو من أحد. قد يكونون إخوته، لكن اثنين منهم خارج البلاد ولم يرهما منذ سنوات، والأخير ما يزال في المدرسة. "أخْوَت" ينعت نفسه هامساً، ليسوا إخوته فهو وحيد. هل نام الليلة الماضية عند أصدقائه؟ يردّد عبارة "الليلة الماضية" بصوتٍ مرتفع عدّة مرّات محاولاً التركيز في تفاصيل الغرفة، لكنها تبدو مظلمة لا تفاصيل فيها، حتى وجوده معدوم.

يجلس على طرف السرير. رأسه محنيّة للأمام. يداه تحاولان أن تمنعاه من الوقوع. قصيرٌ هو نوعاً ما، فقدَماه لا تصلان إلى الأرض. صوت أمّه أو أبيه أو خليط منهما يحثّه على إيجاد عمل. يضرب رأسه بيده محاولاً إزالة هذه العبارة. يظنّان أنه لا يريد. إنه لا يحاول. قدَماه على الأرض. ببطءٍ شديد يرفع جذعه نحو الأعلى. ساعة الحائط أمامه. ما زال عقرب الساعة الآخر أعلى من ناظريه. الثامنة وخمس دقائق، عيناه تحدّقان لوهلةٍ وأذناه ترتفعان للأعلى، صوتٌ في رأسه يصرخ، "الموعد مع المورّد!".

يهرع نحو خزانته. بنطالٌ أحمر وقميصٌ أزرق. البنطال طويل وضيّق. القميص أيضاً. منذ متى أصبحت مؤخّرته كبيرةً هكذا. هل هذا بيته؟ لا مشكلة. الوقت يمرّ. سيخرج هكذا. الحمّام متّسخ. رائحته كريهة. ما هذا المكان؟ يصرخ صوتٌ في رأسه. طعم فمه مقيت. أين فرشاة أسنانه؟ لا يجدها. يحاول الابتسام للمِرآة. أسنانه صفراء. هذا ليس بيته. سينظّف أسنانه بإصبعه اليوم. يبدأ بنزول الدرج. "الحذاء"، يصرخ في رأسه. يعود إلى الغرفة. الحذاء بجانب السرير معدوم الرباط. "أسهل" يقول مبتسماً.

المورّد سينتظره عند الكنيسة القديمة. الطريق إلى هناك مهترئة، تملؤها الحفر، مُتعِبةٌ حتى مشياً على الأقدام. الأشجار صفراء. السيارات صفراء. الغبار أصفر. يرافقه الخوف الدائم من أن تقبض عليهم شرطة "المكافحة". يستدير كثيراً نحو الخلف، لكن هذه المنطقة لا يحكمها أحد، فيطمئن ويُكمل سيْره مسرعاً. كم يكره لقاء هذا المورّد الجديد بعد موت المورّد السابق. ربما مات من جرعة زائدة. وجه هذا المورّد أصفر وعيناه حمراوان. لحيته مبعثرة على وجهه. رائحته نصف كريهة. لا يسلّم باليد. لا يسلّم بالفم. كلما حاول محادثته بلطفٍ لا يجيب. جلّ ما يفعله هو المقايضة.

يحاول فتح باب البيت. مغلق. أين المفتاح؟ يبحث تحت الطاولة، تحت الكرسي، في الحمام، في قاعة الجلوس. توجد غرفتان مغلقتان، هل المفتاح هناك؟ يعود إلى جانب الباب، يحاول فتْحه من جديد، مغلق. أين المفتاح؟ يبحث تحت الكرسي، في الحمّام، في قاعة الجلوس، توجد غرفتان مغلقتان، هل المفتاح هناك؟ يعود إلى جانب الباب، يحاول فتحه من جديد، مغلق، أين المفتاح! يدٌ تقبض بعنقه من الخلف. ثم صراخ. رجل ضخم ذو لحية طويلة وشعر قصير وكرشٍ مهيبة يطلب منه العودة إلى السرير، فالساعة ما زالت الثانية عشرة ليلاً.


* كاتب من فلسطين

المساهمون