الزواج المدني ونحن

الزواج المدني ونحن

26 فبراير 2019

في مظاهرة تساند الزواج المدني ببيروت (23/2/2019/فرانس برس)

+ الخط -
سألني صديقي توفيق كيروز، وهو ناشطٌ مدنيٌّ مقيم في كندا ومتابع عن كثب كلّ ما يجري في لبنان: "أنتظر على أحرّ من الجمر مقالةً مبكّلةً منك عن العلمانيّة والزواج المدنيّ..."، وفيها يقصد ضرورة أن ندلو بدلونا جميعًا في هذا الموضوع الشائك والحسّاس الذي يعني كلّ مواطن لبنانيّ، ويشكّل بالنسبة إلى كثيرين منّا، مقيمين ومهاجرين، ميزانَ حرارةٍ نقيس به إمكانية إحداث فرقٍ، وبادرةَ أملٍ تعيد إلينا شيئًا من إيماننا بقدرتنا على التغيير في مسائل تمسّ عيشَنا، مواطنين وأفرادًا. 
والحال أنا لستُ أملك ما أضيفه على ما سبق أن قيل وأعيد على وسائل التواصل الاجتماعي، وفي وسائل إعلامٍ أولت هذه القضية اهتماما، إذ جعلتها تتصدّر صفحاتها الأولى، خصوصا أن من عاود فتح "علبة باندورا"ـ إذا صحّ التعبير- هو وزيرة الداخلية والبلديات، السيدة ريّا الحسن، التي أعلنت، غداة تعيينها، أنها "تعتقد شخصيا بضرورة أن يكون هناك إطارٌ للزواج المدني، وأنها ستسعى إلى فتح بابٍ لحوار جدّي وعميق حول هذه المسألة مع كل المرجعيات الدينية، وبدعم من رئيس الحكومة". سارعت دارُ الفتوى إلى تجديد رفضها الزواج المدنيّ الذي يخالف، برأيها، أحكام الشريعة الإسلامية وأحكام الدستور اللبناني، في حين عبّرت المراجع الدينية الأخرى عن مواقفها الموزّعة بين الرفض والقبول مع تحفّظ، ثم القبول صراحةً، كما هي الحال مع البطريرك الماروني، الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، الذي أعلن، أخيرا، أن الكنيسة "مع الزواج المدنيّ الإلزاميّ لكلّ اللبنانيين، كي لا يقسم الزواجُ الاختياريّ البلد..".
غنيّ عن القول ضرورة الثناء على مبدأ الحوار الذي طرحته الوزيرة، لأنه على الأقل يُصلح جسرا مقطوعا بين الدولة والمواطن فاقد الثقة في إمكانية إيصال صوته إلى المسؤولين، من دون حاجةٍ إلى الاستعانة بطائفته، ورفض لغة التهديد والتهويل التي استخدمتها بعضُ المرجعيّات الدينية، مع التذكير بأهمّية أن يكون التشريع المدنيّ هو المبدأ، كما هي الحال في الأنظمة الديموقراطية والدول الحديثة.
بيد أن ما تجري المطالبة به من المتحمّسين لإقرار الزواج المدنيّ في لبنان، وهم كثر، لا يعني أبدًا جعله إلزاميا، وإنما اختياريا، بمعنى أن تسمح الدولة لهم بأن يختاروا الإطار الذي يتوافق مع معتقداتهم، فينتقونه دينيا أو مدنيا. وفي حال اختاروا الأخير، ألا يضطروا إلى السّفر خارج البلاد (غالبا إلى قبرص) ليتمكّنوا من تسجيل زواجهم شرعيا، مع الإشارة إلى تبعات الأمر عليهم، حيث يفقد المرء حقه في الانتخاب إذا شطب مذهبه عن الهوية، وحيث لا يرث الزوجان بعضهما إن كانا من ديانتين مختلفتين.
القضية هذه تمّ تناولها من مختلف جوانبها أكثر من مرّة، وفي عهود وحقب مختلفة، وهي، إذ تعود إلى طاولة الطّرح والحوار، فلأنّ هناك "طائفة" مغايرة من اللبنانيين تعترف بالعلمانية وبالحقوق المدنية مذهبًا لها. هذه "الطائفة" عابرة للشيع والأديان، تتخالَط وتتزاوج في ما بينها، فلا تريد لأبنائها أن يرثوا التصنيف المسرطِن نفسه، مسلمين أو مسيحيين، شيعةً سنّةً موارنة أرثوذكس أو دروز، وهؤلاء لا يريدون فرض قوانينهم المدنيّة على أحد، لكنهم لا يريدون أن يفرض الآخرون أيضا قوانينهم المذهبية الطائفية عليهم.
إبّان اشتعال الحرب الأهلية في لبنان عام 1975، أو لنقل في أواخر الستينيات وبدايات السبعينيات، حين كانت الجامعة اللبنانية تحديدا حاضنة الشباب الآتين من مختلف المناطق والطوائف والمنتمين إلى مختلف التيارات السياسية، اليسارية واليمينية على السواء، راحت الزيجاتُ المختلطة بين الطالبات والطلاب من مذاهب وأديان مغايرة تتكاثر، مؤكّدةً بذلك مستوى من الوعي والانفتاح على الآخر، بدأ الشبابُ اللبناني يدركه ويمارسه. إنما للأسف، وقعت الحرب، فعاد الكلّ لينضوي تحت خيمة جماعته وعباءة طائفته.
اليوم، يبدو لي، وعلى الرغم من التشرذم والتفتت والانقسام، أن ثمّة ما يتحرّك في المجتمع المدنيّ، وأنّ نبذ الطائفية لدى بعضهم لم يعد مجرّد شعار، بل هو رغبة حقيقية ومطلب محقّ، لكي يبدأ شعور المواطنة يأخذ طريقه إلينا.
وأخيرا، لا آخرا: كنتُ وما زلتُ أؤمن بأن خلاصَ لبنان الوحيد والفعليّ هو بتزاوج أبنائه من مختلف المذاهب والطوائف، وعدم معرفة أبناء تلك الزواجات إلى أي الطوائف ينتمون. كيف؟ عبر تشريع الزواج المدنيّ.

دلالات

نجوى بركات
نجوى بركات
كاتبة وروائية لبنانية ومؤسسة محترف "كيف تكتب رواية"