الرهان الرياضي في تونس: مدمنو العشب الأخضر

الرهان الرياضي في تونس: مدمنو العشب الأخضر

04 ديسمبر 2016
(لارس بارون)
+ الخط -
لم تعد الرهانات اليومية مختصرة في عدد من الرياضات البسيطة، مثل صراع الديكة، وسباق الخيول والمهاري التي نشاهدها على بعض القنوات، ولكن حتى المستطيل الأخضر، أصبح مكانًا تُعشب فيه أموال المراهنين، وتحوّل لاعبو كرة القدم، إلى مجرد متسابقين في اللعبة التي يديرها الجمهور من مدرّجات الملاعب.

سعيًا وراء الربح السريع وكسب المال بأسهل الطرق وأكثرها متعة، انتقلت متابعة المباريات الرياضية من مجرّد شغف وتشجيع فقط، إلى الرهانات في أشكالها الجديدة مثل "البلانات وين"، وصارت تتيح للمراهنين فرصة تجريب الحظ، ليس على النتائج فحسب، بل حتى على عدد البطاقات الصفراء والحمراء وكل ما له علاقة بقوانين "الساحرة المستديرة".

في تونس، شهدت هذه اللعبة انتشارًا واسعًا إلى حدّ إزاحة اللعبة التقليدية "البرومسبور"، واستحوذت اللعبة الجديدة، على اهتمام المراهنين من الشباب اإلى درجة الهوس، وأصبحت دوافع الإقبال على "المقامرة" لا تختلف تقريبًا بين المراهنين، فهم إما يئسوا من توفير ما يطمحون إليه بالعمل، أو أنهم يبحثون عن ربح ضخم دون تعب ليتحوّل الربح إلى هاجس. فكلما ربح شخص ما ارتفع التعلّق والإصرار على المتابعة، وإن كانت خسارة المراهنين فادحة كل يوم، يبقى الحلم في الفوز قائمًا.


في ضيافة "البلانات"
وحتى نفهم هذه اللعبة، كان يجب أن نقوم بتجربة "البلانات وين"، ونستوضح كيفية الرهان، ولذلك قمنا بزيارة أحد مقاهي العاصمة التي اكتظت بالمتابعين الشغوفين والمراهنين الحريصين على متابعة إحدى مباريات قمّة الدوري الإنكليزي.

كثيرون تحدّثوا إلى "جيل"، قبل انطلاق المباراة، ومن بين هؤلاء الشاب رابح حامد، الذي يعتبر أن هذه المراهنات ليست أبدًا ضربة حظ مثلما هو شائع، بل هي "تكتيك" قد يفشل أحيانًا، لأن كرة القدم لا تخلو من المفاجآت وذلك ما يزيدها متعة.

يضيف المتحدّث أن "البلانات وين" زادت من علاقتهم بكرة القدم، "فعندما نلعب ورقة الحظ، حتى المباريات التي لا تهمنا مثل التّي نحن بصدد مشاهدتها نتابعها بشغف وضغط لا يمكن وصفه، لأنها في نظرنا هي أوراق المال التي تقرب وتبعد في كل طور من أطوار اللقاء".


قاب قوسين
استطاعت لعبة الحظ هذه أن تشدّ إليها اهتمام الشباب بفضل هامش الحرية الذي توفّره، حيث أن المراهن هو من يختار المباريات التي سيراهن عليها، كما أنه يختار البطولة التي يريدها والرياضة التي يحبذها، مثل الدوري الأميركي لكرة السّلة للمحترفين أو دوريات كرة اليد وغيرها، كما يؤكد طه ساسي (20 سنة)، الذي يرى أيضًا أن عدد المباريات التي بإمكان اللاعب اختيارها وتراهن عليها هو ما يجعل هذه اللعبة هي الأفضل والأسهل.

استكملنا جولتنا في المقهى حيث التقينا رامي الحكيري (22 سنة)، طالب جامعي. يعترف في حديث إلى "جيل"، أنه مراهن منذ أربع سنوات، وأنه لم يفز سوى مرتين بقيمة 300 دولار، إلا أنه أغلب المرّات التي يخسر فيها، لا يتعدى عدد أخطائه ثلاثة أخطاء، وهو ما يدفعه إلى اللعب أكثر، لأن الرهان حسب رأيه يتحوّل إلى تحدٍ ممكن في كل مرة يكون قاب قوسين أو أدنى من الفوز به.

رامي يصر أيضًا على هذه اللعبة، لأنها أسعدته مرتين، ولأنه يرى أصدقاءه يربحون ويوفّرون مئات الدولارات بدولارين فقط. ففي تونس فاز غالبية المراهنين في لعبة "البلانات وين"، ورغم أن ربحها ليس عاليًا جدًا، إلا أن فرصة الفوز الكبيرة هي أفضل ما في اللعبة.

هذه المراهنات في تونس، خلقت طقوسًا وتقاليد جديدة لدى المراهنين، لدرجة أن هناك من يؤمّن لهذه اللعبة مصروفًّا شهريًا قد يصرفه في أيّام متتالية، أو في فترات متباعدة وهناك حتى من يتشاركون في الرهان على ورقة واحدة.

أسامة الرمضاني، مراهن آخر قابلناه في المقهى، يعترف أيضًا أنه لا يمكن أن يمرّ أسبوع من دون أن يلعب ورقة رهانات، "فاللعبة مغرية جدًا وتشعرك بأنك فائز فيها لا محالة، كما أنها مستفزة فهي تضع لك قيمة محددة على كل اختيار، حيث إنك أحيانا تسير عكس التيار وتتوقّع أن مفاجأة ستحدث في تلك المباراة فتراهن على الأقل حظًا لتربح أكثر، لكن هذا لا يحدث إلا أحيانًا، لذلك يجب أن تكون في هذه اللعبة انتحاريًا، فإما أن تربح الكل أو أن تخرج بلا شيء وأنت غير نادم.


مطاردة الوهم
في الرهانات كل شيء على غير العادة؛ فمن يربحون مبالغ كبيرة في العادة يبتعدون عن هذه اللعبة، لأنهم اكتفوا منها ويعتقدون أن الحظ لا يمكن أن يتكرّر مرتين لأنهم يعلمون أن الربح لم يأتِ إلا بعد أن ملّوا الخسارة في حين أن من يخسرون، هم من يتشبثون أكثر بمواصلة اللعب نظرًا لطريقة الرهان وعدد الأخطاء التي تكون خطأ واحدًا في مرّات كثيرة.

أغلب الذين يدخلون في عالم المراهنات عاطلون عن العمل، أو طلبة وحتى تلاميذ يسعون لتحقيق مصروف جيب جيّد بطريقة سهلة، ودون تعب ولكنهم لا ينفون أنهم يشعرون في أعماقهم أنهم يطاردون وهمًا كما يقول أسامة الرمضاني.

شهادة أخرى تعكس شدة تأثير هذه اللعبة على المراهنين، من مختلف الأعمار، فندى الغانمي تقول إنها تعجبت في إحدى فضاءات الإنترنت العمومية بحجم الاهتمام بهذه المراهنات، عندما رأت أن أغلب الموجودين هناك يقومون بملء أوراق "البلانات وين".

في المقامرة دائمًا؛ يجد المراهن نفسه بين شدّ وجذب في ثنائية الربح والخسارة، يقترب جدًا من الربح ولا يدركه أو يتذوّق ربحًا قليلًا فيزداد نهمه، ويصرّ على مطاردة الوهم بإلقاء دولار أو دولارين في كل مرة، فيرتفع الدّفع ويتباطأ الربح الذي قد لا يأتي أبدًا، وحينها يكون بين خيار مواصلة الخسارة أو العودة بأقل الخسائر.

المساهمون