الرضوخ الأممي أمام عرقلة المساعدات الإنسانية: سورية نموذجاً

23 يوليو 2020
أوضاع المحتاجين في سورية ستزداد سوءاً (الأناضول)
+ الخط -

تمكّن مجلس الأمن الدولي في نيويورك، قبل أقل من أسبوعين، وبعد مخاض عسير، من تبنّي مشروع القرار 2533، الذي يجدد لتقديم المساعدات الإنسانية العابرة للحدود لشمال غرب سورية عبر معبر باب الهوى التركي، ولمدة سنة.
وكان هذا القرار الخامس الذي يصوت عليه المجلس خلال خمسة أيام حول نفس الموضوع، حيث استخدمت روسيا والصين الفيتو ضد مشروعين غربيين، فيما لم تحصل المشاريع الروسية على العدد الكافي من الأصوات. وسيستمع المجلس، اليوم الخميس، لإحاطة مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة لسورية، غير بيدرسون، حول آخر التطورات في الملف السياسي. وسيعلن فيها عن موعد اجتماع جنيف للجنة الدستورية المقرر في شهر أغسطس/آب المقبل وآخر المستجدات على الصعيد السياسي.

سيكون الأمر أكثر صعوبة مع نقطة عبور واحدة فقط، خصوصاً في الوقت الذي ينتشر فيه فيروس كورونا

 

ومهما يكن من الجدل ولعبة القوى داخل مجلس الأمن، وفشل الاستراتيجية الغربية في احتواء روسيا والضغط عليها للقبول بأن يتم تمرير تقديم المساعدات العابرة للحدود عبر معبرين بدلاً من معبر واحد، فإن عدداً من الأسئلة تطرح في هذا السياق. بداية، فيما يخص قدرة الأمم المتحدة على الاستمرار في تقديم المساعدات الإنسانية لجميع المحتاجين في شمال غرب وشمال شرق سورية، وليس لجزء منهم فقط. وفي هذا السياق، هناك سؤال حول الدبلوماسية الدولية، وأي التحركات يمكن أن تقوم بها الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، خارج مجلس الأمن، للاستمرار في تقديم المساعدات العابرة للحدود عبر أكثر من معبر، ومن دون الحصول على موافقة النظام، ولكن بدون خرق مبدأ السيادة الدولية الذي تعمل بموجبه الأمم المتحدة.
وحول مدى تأثير تقليص عدد المعابر لواحد بدلاً من معبرين، قال منسق الشؤون الإنسانية الإقليمي للأمم المتحدة لشمال غرب سورية، مارك كاتس، في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد" في نيويورك، "الآن وقد تم تمديد قرار مجلس الأمن، سنستمر في الوصول عبر الحدود إلى جميع المحتاجين في جميع أنحاء شمال غرب سورية. سيكون الأمر أكثر صعوبة مع نقطة عبور واحدة فقط، خصوصاً في الوقت الذي ينتشر فيه فيروس كورونا، حيث نحتاج إلى عدد أكبر من المنافذ وليس العكس". وأضاف "بالإضافة إلى التحديات اللوجستية على الحدود، ستحتاج عمليات تسليم المساعدات إلى مزيد من السفر، بما في ذلك عبور المناطق التي تسيطر عليها الجماعات المسلحة المختلفة. وبما أننا سنضطر الآن إلى استخدام طريق أطول للوصول إلى الأشخاص الذين اعتدنا الوصول إليهم عبر معبر باب السلام، فإن عملياتنا الإنسانية ستكلف أكثر".

الفترات الزمنية بين مواعيد وصول قوافل المساعدات ستكون أطول

ومن الملفت للانتباه في تصريحات المسؤول الأممي نقطتان، التكلفة والوقت، حيث تأتيان في أوقات حرجة في ظل انتشار كورونا، وفي ظل مشاكل مالية تعاني منها صناديق الأمم المتحدة للمساعدات الإنسانية. وهذا يعني أن أوضاع المحتاجين، التي هي أصلاً سيئة، ستزداد سوءاً، حتى لو استمرت تلك المساعدات في الوصول. فحتى لو تمكنت منظمات الأمم المتحدة من الوصول إلى أغلب المناطق، كما في السابق، إلا أن الفترات الزمنية بين مواعيد وصول القوافل ستكون أطول، وارتفاع التكلفة قد يؤدي إلى تقليص عدد الأشخاص الذين تصل إليهم تلك المساعدات أو كميتها.

إلا أن تحدياً آخر يواجه الأمم المتحدة في هذا السياق، وهو أن المعبر الوحيد الذي بقي مفتوحاً لتقديم المساعدات الإنسانية العابرة للحدود، أي باب الهوى، كان أصلاً مكتظاً قبل إغلاق المعبر التركي الآخر، باب السلام. وبحسب تقارير الأمم المتحدة، فإن عدد الشاحنات التي كانت تمر عبر باب الهوى خلال عام 2019 وصل إلى 30 شاحنة يومياً. أما في عام 2020، فقد شهدت الأيام الأكثر ازدحاماً مرور أكثر من مائة شاحنة في اليوم عبر باب الهوى، في الوقت الذي كانت تمر فيه مساعدات عبر باب السلام كذلك. أما الآن، فستحتاج الأمم المتحدة إلى رفع قدرتها وزيادة عدد الشاحنات بنحو 25 في المائة من أجل تلبية الاحتياجات الإضافية الناجمة عن إغلاق باب السلام. وهذا يضع عبئاً إضافياً على طواقمها ومواردها على الأرض.
لكن هناك نقطة إضافية وحساسة متعلقة بالمساعدات الإنسانية الطبية، وقد تكشفت بوضوح عند إغلاق معبر اليعربية العراقي في يناير/كانون الثاني الماضي. للتذكير، فإن روسيا والصين استخدمتا الفيتو في ديسمبر/كانون الأول الماضي ضد مشروع قرار طالب بالتجديد للآلية العابرة للحدود لتقديم المساعدات الإنسانية للشمال الشرقي عبر اليعربية والشمال الغربي عبر باب الهوى وباب السلام. وأصرت روسيا آنذاك على إغلاق اليعربية، متحججة بأن الأوضاع على الأرض تغيرت، وأنه يمكن للأمم المتحدة تقديم المساعدات لتلك المناطق عبر الأراضي التي يسيطر عليها النظام.
لكن تقارير الأمم المتحدة تلفت الانتباه إلى عدد من الأمور، إذ إنه وعلى الرغم من أن الأمم المتحدة زادت من مساعداتها لشمال شرق سورية عبر المناطق التي يسيطر عليها النظام في عام 2019 وحتى 2020، فإن هذا الأمر يستثني المواد الطبية، التي تواجه نقصاً كبيراً. ومنذ إغلاق معبر اليعربية في يناير الماضي، لم يشهد زيادة ملموسة في نسبة المساعدات الطبية والمرافق الطبية التي كانت مدعومة سابقاً عن طريق اليعربية والآلية العابرة للحدود، وذلك على الرغم من تزايد الحاجة إلى الأدوية مع انتشار فيروس كورونا، والتي يشكل نقصها تهديداً إضافياً لملايين المدنيين الذين يعيشون في تلك المناطق.
ويحيل هذا الوضع إلى النقطة الثانية المتعلقة بالإمكانيات الإضافية المتاحة أمام الأمم المتحدة لإيصال تلك المساعدات. نظرياً، تصرّ المنظمات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة، كما مكتب الأمين العام أنطونيو غوتيريس، أنه لا يمكنها الدخول إلى سورية، وتقديم المساعدات لأي منطقة من دون موافقة النظام السوري، بسبب مبدأ السيادة، حتى فيما يخص المناطق التي لا يسيطر عليها النظام. الاستثناء فقط هو عندما تحصل على تفويض من مجلس الأمن، أو مؤسسات الأمم المتحدة ذات الصلة. وهو ما حدث بالفعل، عند تبني المجلس قراره رقم 2165 في عام 2014، والذي أوجد الآلية العابرة للحدود، ومعها سمح بتقديم المساعدات عبر أربعة معابر حدودية إلى يناير الماضي حين جدد لاثنين منها، ومن ثم واحد فقط قبل أسبوعين.
في هذا السياق، تحذّر منظمة "هيومن رايتس ووتش" من أن الأمم المتحدة قد تجد نفسها بعد سنة، عندما تنتهي مدة القرار 2533، من دون أي إمكانية لتفويض جديد. وفي تصريحات لـ"العربي الجديد"، قال مسؤول ملف الأمم المتحدة في المنظمة لويز شاربونيه "يجب على الأمم المتحدة والدول الأعضاء البحث فوراً عن طرق جديدة لاستئناف عمليات تقديم المساعدات الإنسانية، للآلية العابرة للحدود إلى شمال شرق سورية، وأجزاء من الشمال الغربي، التي لا يمكن الوصول إليها عبر باب الهوى. هذا مهم بشكل خاص في أعقاب تأكيد وجود إصابات بفيروس كورونا في تلك المناطق".
وأعطى شاربونيه عدداً من الأمثلة في الملف السوري عن الإمكانيات المتاحة للتحرك، لافتاً الانتباه إلى قرارين اتخذا عندما لم يتمكن مجلس الأمن من التحرك بسبب الفيتو الروسي. الأول عندما بادرت كل من قطر ولشتينشتاين وكندا عام 2016، واقترحت مشروع قرار تبنته الجمعية العامة وأنشأت بموجبه آلية دولية ومستقلة لجمع الأدلة على الجرائم الخطيرة التي ترتكب في سورية. أما الثاني ففي 2018، عندما قادت فرنسا وبريطانيا جهودًا لتجاوز مجلس الأمن بعد رفض روسيا التجديد للآلية المشتركة بقيادة الأمم المتحدة حول التحقيق في استخدام الأسلحة الكيميائية، وتحديد المسؤولين عن الهجمات. وأدت تلك الجهود إلى إنشاء فريق التحقيق ضمن منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، والذي أصدر أخيراً تقريراً جديداً يؤكد استخدام النظام السوري للأسلحة الكيميائية ضد المدنيين. ويعترف شاربونيه بأن الأمر يصبح أكثر تعقيداً فيما يخص المساعدات الإنسانية، لأن التجديد للآلية قد تم، حتى وإن كان جزئياً، لكنه يؤكد أنه من الضروري أن تتحرك الدول الأعضاء في الأمم المتحدة مع قيادات المنظمة لإيجاد طرق بديلة إضافية تتيحها مؤسسات الأمم المتحدة، لكن يجب أن تتوفر الإرادة الدولية لذلك.