الرزاز ومعضلة المعلمين

الرزاز ومعضلة المعلمين

16 سبتمبر 2019
+ الخط -
يعيش الأردن في اللحظة الراهنة مأزقا خطيرا على إثر تصعيد نقابة المعلمين أدوات احتجاجها، لتحقيق مطلبها بتحسين أوضاع منتسبيها المعيشية (علاوة على الراتب بنسبة 50%)، الأمر الذي وصل إلى تنفيذ المعلمين إضرابا عن دخول الصفوف المدرسية منذ أسبوع، ما عطل عملية التعليم في المدارس الحكومية، وحرم فئة كبيرة من أبناء المجتمع من حقها الطبيعي في التعلم. ولا تنكر فيه الحكومة حق المعلمين في المطالبة، وتصر في خطابها الرسمي على مكانة المعلم وأهميته في حركة البناء والتقدم، لكنها تؤكد صعوبة تحقيق تلك المطالب في هذه المرحلة، لأسباب اقتصاديه خارجة عن إرادتها. ويقترح اقتصاديون وخبراء مختصون حلولا تبدو منطقيةً وقابلة للتنفيذ، لو أبدى الطرفان استعدادا لحوار حقيقي يخرج بتوافق، وبأقل الخسائر الممكنة من النفق الذي صار أشد حلكة، غير أن المسألة ما زالت تراوح مكانها. وليس سرّا أن نقابة المعلمين تحظى بتأييد شعبي واسع وغيرمسبوق، ما يضع الحكومة في حرجٍ كبير، سيما وأن حكوماتٍ سابقةً توصلت الى تفاهمات مع النقابة، التزمت بموجبها باستحقاق المعلمين العلاوة التي يطالبون بها. وفي هذا الجو المشحون المضطرب، نفّذ المعلمون وقفة احتجاجية، تخللتها فوضى وأزمة سير خانقة في العاصمة، ومواجهات طفيفة، اعتقل على إثرها بعض المعلمين، ثم تم إطلاق سراحهم، إضافة إلى حدوث ممارسات غير حضارية أساءت للمشهد برمته، ووضعت الجميع في حالة ترقب وقلق على أمن الوطن واستقراره الذي يجمعون على حبه، كلّ على طريقته. 
في هذه الظروف غير الاعتيادية، ظهرت أصوات ناشزة، معروفة بوصوليتها وتكسّبها الرخيص المبتذل على صدى الأزمات ضاربين عرض الحائط بمصلحة الأردن والأردنيين، مستخدمين لغةً رخوةً رثّةً، مزاودين بشكل رخيص مكشوف على الآخرين، طامعين إلى تحقيق منفعة شخصية، غير معنية بمعاناة قطاع كبير يرزح تحت ظروف معيشية قاهرة، ضرب فيها معلمون مثالا في المواطنة الصالحة، حين استثمروا وقت الإضراب في أعمال الصيانة التطوعية للأبنية المدرسية التي يعملون فيها. على الرغم من محاولات شيطنة رموز هذا الحراك السلمي الذين ذهبوا إليه مجبرين، وقد ضاقت بهم السبل، وتجييره بحسب الذريعة المستهلكة في بلاد عربية كثيرة، باتهامهم بالانتماء إلى "الإخوان المسلمين"، مع أنهم، كما يعلم الجميع، يمثلون كل الاتجاهات السياسية، ولم تعبر شعاراتهم المطلبية المطروحة إلا عن حس انتماءٍ عالٍ ورغبةٍ حقيقية في فض هذا النزاع، بما يضمن تحقيق العدالة الاجتماعية.
ما زالت تلك الأصوات الناشزة تعمل على تأجيج أسباب الخلاف، بتشويه صورة المعلم، والتشكيك بوطنيته، متوهمين أنهم، بهذا المسلك المشين، يساندون الحكومة. ومن يعرف رئيس الحكومة، عمر الرزاز، عن قرب، يدرك مدى نفوره من النفاق والمنافقين، ومدى إخلاص هذا الرجل ونزاهته، وحرصه الشخصي على تحقيق العدالة التي يؤمن بها، وقد تربّى على قيمها طوال حياته. وأظن أن الرزاز صبر، بنبل ورفعة، على أذى كبير طاوله منذ تسلم منصبه الأصعب قبل أكثر من عام. وحاول مخلصا الخروج من أزمات كثيرة عصفت ببلده، وأبدى جلدا وثباتا، في وقتٍ تعرض إلى هجمات إلكترونية شرسة، لم يسلم منها حتى أهل بيته، وهو يدرك أنها ضريبة باهظة تدفعها الشخصيات العامة فتنتهك خصوصيتها، وتتعرض صورتها لتشويه ممنهج، يقع كثيرون في مطبّه، من دون إدراك حقيقي للصورة بشموليتها.
من هنا نتمنّى على الرئيس وفريقه الوزاري المضي في الحوار، وتقريب وجهات النظر، واتخاذ خطوة جريئة في اتجاه حل عادل وعاجل لقطع الطريق على المتصيدين في المياه العكرة، وترجمة محتوى العقد الاجتماعي القائم على العدل والعدالة الذي تبنّاه صادقا إبّان تسلمه المسؤولية الثقيلة. وليس هناك أدنى شك بأن الحل لهذه المعضلة التي عصفت بنا، في الأردن، بات وشيكا، استنادا على الرغبة المشتركة لدى الجميع لتطويق الأزمة وتداعياتها المحتملة.
AD06A645-8A0A-4B42-9292-5FC44B5D51C6
بسمة النسور

كاتبة أردنية، تحمل الليسانس في الحقوق، صدر لها ست مجموعات قصصية، وكتبت نصين مسرحيين. تكتب في الصحافة العربية منذ 1990، وتشغل موقع رئيسة تحرير مجلة "تايكي" المتخصصة بالإبداع النسوي.