الرد الفلسطيني الملائم على التحالف الإماراتي - الإسرائيلي

الرد الفلسطيني الملائم على التحالف الإماراتي - الإسرائيلي

30 اغسطس 2020
تظاهرة ضد الاتفاق الإسرائيلي - الإماراتي - الناصرة (العربي الجديد)
+ الخط -

لا بد من التأكيد بداية على أننا أمام تحالف لا تطبيع تقليدي إماراتي إسرائيلي ستفعل أبو ظبي عبره ما عجزت القاهرة وعمان عن فعله لجهة تأسيس تحالف علني مع إسرائيل، فظّ ووقح ومتعدد المستويات والأبعاد سياسي اقتصادي أمني ثقافي علمي وتكنولوجي دون خجل أو خشية من رد فعل شعبي محلي بعد قمع وإسكات المعارضين، وخلق أجواء استبداد متوحشة وغير مسبوقة في إمارات الرعب والخوف. 

هذا بالتأكيد يضع على الفلسطينيين مسؤوليات جساما سياسية تتعلق بفضح خلفيات وحيثيات التطبيع - التحالف ومنعه من تحقيق أهدافه أو التمدد عربياً، ومؤسساتية ومنظوماتية تتعلق بصعوبة بل استحالة المضي قدماً في إدارة الصراع بتحدياته المستجدة في ظل الانقسام السياسي والجغرافي الفلسطيني والحالة المؤسساتية التنظيمية المترهلة حزبياً ووطنياً. 

فلسطينياً؛ يسير البعد السياسي بشكل جيد إلى الآن، حيث تم نقض أو فضح أكذوبة أن التطبيع – التحالف حدث مقابل إلغاء خطة الضمّ الإسرائيلية لثلث الضفة الغربية وإزاحتها عن جدول الأعمال، هذا لم يحصل إطلاقا، خاصة مع التصريحات الأميركية والإسرائيلية العلنية عن تعليق الخطة فقط وإبقائها على الطاولة، ناهيك عن فكرة أنها أصلاً غير شرعية ومناقضة للقانون الدولي ولا يجوز بأي حال من الأحوال تقديم ثمن أو مكأفاة للاحتلال مقابل تعليقها وحتى إلغائها.

مثل العادة، فضحت الصحافة الإسرائيلية الأسباب الحقيقية للتطبيع - التحالف الذي لا مكان للقضية الفلسطينية فيه "بالمعنى الإيجابي"، مشيرة إلى مساعي الإمارات للحصول على أسلحة أميركية متطورة جداً -طائرات مقاتلة وطائرات مسيرة هجومية - من أجل استخدامها في تحقيق أهداف إقليمية تخدم أساساً الاستراتيجيات الأميركية الإسرائيلية، ناهيك عن الهوس الإماراتي بمعاداة الثورات العربية الأصيلة، وإعادة إنتاج منظومات الاستبداد والفساد العربية الساقطة باعتبار ذلك مصلحة أميركية إسرائيلية أيضاً.

المعطى  السياسي الفلسطيني الآخر، وهو منهجي ومبدئي يتمثل برفض استخدام القضية الفلسطينية من أجل تحقيق مكاسب فئوية ضيقة لهذا الطرف أو ذاك، والتطبيع "على علاّته" يخص الإمارات ومصالحها وأطماعها التوسعية، ولا يهدف بأي حال من الأحوال إلى المساعدة في حلّ أو تهيئة الظروف أمام حل القضية الفلسطينية بشكل شرعي وشفّاف وعادل في ظل إقراره أي التطبيع بالواقع الاستيطاني التهويدي التوسعي الحالي الذي قتل حلّ الدولتين وأي حلول أخرى متعلقه به باستثناء الحكم الذاتي البلدي للفلسطينيين كسكان ومقيمين بدون الأرض، والخاضع تماماً لسيطرة الاحتلال الإسرائيلي سياسياً وأمنياً واقتصادياً.

طبعاً، لا جدال أيضاً حول حقيقة أن التطبيع - التحالف لا يساعد على حل القضية، بل على العكس فقد مثّل طعنة غادرة لها عبر كسر المبادرة العربية – 2002 - "التي اشترطت التطبيع العربي ثم الإسلامي على "علاّته" بحلّ عادل للصراع  العربي الإسرائيلي يرتضيه الفلسطينيون ويضمن طبعاً إقامة دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة عاصمتها القدس، بما في ذلك حلّ عادل لقضية اللاجئين وفق قرارات الشرعية الدولية.

قبل ذلك وبعده لا بد من السعي سياسياً لقطع الطريق على انطلاق سيرورة التطبيع وانقياد بعض الدول العربية خلف الإمارات في طريق يخدم الاحتلال الإسرائيلي، ويطعن الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، ومن هنا أهمية أن يمثل الموقف الفلسطيني الجامع رافعة للمواقف العربية الرسمية والشعبية الرافضة للتطبيع والمتمسكة"، ولو نظرياً، بتسوية الحد الأدنى الواردة في المبادرة العربية والقرارات الدولية ذات الصلة.  

سياسياً أيضاً لا بد من مواجهة فلسطينية صلبة وعنيدة تجاه محاولات أبوظبي التطبيعية في مدينة القدس تحديداً، عبر خوض حملة سياسية وإعلامية لتجريم الزيارات من أبوظبي للصلاة في المسجد الأقصى المبارك، ما يمثل اعترافا بها كعاصمة لإسرائيل، إضافة إلى تجميل وتببيض صورة الاحتلال الذي يقمع حريات الشعب الفلسطيني بما فيها الدينية طبعاً.

سياسياً؛ وهذا مهم جداً أيضاً ويتعلق بالقيادي الفتحاوي المفصول محمد دحلان، المقيم في الإمارات والذي يعمل كموظف في مكتب حاكمها الفعلي محمد بن زايد لا كمسؤول فلسطيني، كما يقول عن حق قادة السلطة سرّاً وعلناً، دحلان فهم طبعاً مغزى التطبيع والتحالف الذي كان أحد عناصره أساساً، كما امتلك الوقاحة لتأييده علناً والخروج عن الإجماع الوطني الفلسطيني، وطبعاً سيكون لدحلان دور كبير كبندقية للإيجار في ساحات عربية متعددة بموازاة عمل علني إسرائيلي إماراتي مدعوم عربياً وأميركياً لتعويمه وفرضه على قيادة الشعب الفلسطيني. ومن هنا أهمية تعريته وعزله مع تسمية الأشياء بأسمائها، كونه منخرطا بكامل إرادته في مخطط يهدف أساساً إلى تصفية القضية الفلسطينية بثوابتها الرئيسية الثلاث القدس واللاجئين والدولة المستقلة كاملة السيادة.

كان العامل الفلسطيني حاسماً في نزع الشرعية عن صفقة القرن الأميركية وخطة الضمّ الإسرائيلية المنبثقة، ووضع العراقيل أمامهما، حتى قبل اتفاق التطبيع - التحالف الإماراتي الإسرائيلي الذي تجب مواجهته سياسياً، بنفس العناد والصلابة، مع عوامل مؤسساتية ومنظوماتية تتعلق بجهود جدية وصادقة لإعادة بناء وترتيب البيت الفلسطيني بشكل جدي وجاد، وسلمي وديمقراطي، لخوض الصراع الماراثوني بمستجداته ومنعطفاته الخطرة.

لا يمكن التقليل طبعاً من أهمية الاجتماع القيادي الموسع الذي عقد برئاسة الرئيس محمود عباس، ومشاركة حركتي حماس والجهاد - الثلاثاء 18 أغسطس -، والذي أكد الموقف الفلسطيني الجامع في مواجهة التطبيع - التحالف الإماراتي الإسرائيلي، لكننا رأينا المشهد نفسه بعد الإعلان عن صفقة القرن الأميركية نهاية كانون الثاني/ يناير الماضي دون أن يترجم ذلك إلى خطوات ملموسة نحو إنهاء الانقسام وتطبيق تفاهمات المصالحة وإعادة بناء المؤسسات الوطنية على أساس ديمقراطي شفاف ونزيه، بما فيها طبعاً منظمة التحرير الفلسطينية بصفتها الإطار المرجعي الأعلى للشعب الفلسطيني في أماكن تواجده المختلفة.

نجح الفلسطينيون بعنادهم وعدالة موقفهم في إفشال صفقة القرن الأميركية ومنع تنفيذها، كما في تعليق خطة الضمّ الإسرائيلية، ولا شك أن التطبيع والتحالف الإماراتي الإسرائيلي هو بمثابة طريق التفافي وبديل أميركي عن الصفقة سيئة الصيت، إفشاله ونزع الشرعية والغطاء الفلسطيني وحتى العربي عنه ممكن أيضاً، لكنه يتوازى مع بقاء الواقع الراهن الذي يعمل لصالح الاحتلال أصلاً في الضفة الغربية وحتى في غزة، وتغيير هذا الواقع مرتبط بالتأكيد بأداء فلسطيني مختلف، تحديداً في الجانب المؤسساتي والتنظيمي.