الذبائح السريّة...لحوم فاسدة لا تخضع للرقابة البيطرية في المغرب

الذبائح السريّة... لحوم فاسدة لا تخضع للرقابة البيطرية في المغرب

27 يونيو 2017
غياب الاحتياطات الصحية عن الذبائح السرية (Getty)
+ الخط -
عانت أسرة الثلاثينية المغربية زينب شكير من قيء وتسمم غذائي استدعى نقلهم إلى المشفى، بعد أن تناولت العائلة طبق طاجين، أعدته ربة المنزل باستخدام لحم اشترته من جزار في أحد الأسواق الشعبية بالدار البيضاء، إذ جذبها الثمن المنخفض للذبيحة، والتي لا تتذكر زينب إن كانت تحمل ختما مصادقا عليه من طرف المصالح الطبية البيطرية أم لا، فقد كان رخص ثمن كلغ اللحم، والذي بلغ 50 درهما (5 دولارات)، بدلا من 90 درهما (9 دولارات)، هو كل ما همها، حسبما تقول.

وعلى الرغم من أن القانون يمنع بيع اللحوم مجهولة المصدر وغير الخاضعة للمراقبة البيطرية، إلا أن زينب وجدت ضالتها بسهولة في السوق، الأمر الذي يراه الدكتور بوعزة خراطي، رئيس الجمعية المغربية لحقوق المستهلك، (تضم 58 جمعية مغربية)، علامة على انتشار ما يسمى بـ"ظاهرة الذبائح السرية" في مدينة الدار البيضاء، مقدرا نسبة تلك الذبائح غير القانونية والتي قد تهدد صحة من يتناولونها بـ52% من إجمالي ما تستهلكه الدار البيضاء من اللحوم، ثلثاها ذبائح سرية والباقي ذبائح تتم في الأسواق الأسبوعية خارج الدار البيضاء، وهو ما يوازي كمية تصل إلى 73 ألف طن من الذبائح السرية والمهربة في كل عام، وفقا لتقدير عبد الله رامو، رئيس الجمعية الوطنية لبائعي اللحوم بالجملة.

ما هي الذبائح السرية؟

لا تخضع الذبائح السرية والمهربة للمراقبة الصحية، إذ يتم ذبحها في أماكن غير مرخص لها، ويتم تهريبها من الأسواق الشعبية خارج المدار الحضاري إلى داخل المدينة بطرق ملتوية، وفق تعريف المكتب الوطني للسلامة الصحية التابع لوزارة الفلاحة المغربية لذلك النوع من اللحوم المذبوحة بشكل مخالف لنص المادة رقم 2 من المرسوم رقم 2.98.617 الصادر في 5 يناير/ كانون الثاني من عام 1999 لتطبيق الظهير الشريف رقم 1.75.291 والتي تؤكد على ضرورة فحص الحيوانات التي سيتم ذبحها في مكان مخصص لذلك، تتوفر فيه الشروط المناسبة، ولا سيما الإضاءة الكافية، والنظافة اللازمة، وارتداء العمال لزي المهنة، وتوفر وسائل تثبيت الحيوانات، وهي شروط لم يكن عبد الوافي الحيحي، الجزار في مدينة الدار البيضاء، يهتم بها، إذ اعتمد في محله على الذبائح السرية، التي اعتاد الحصول عليها من مسلخ في منطقة تيط مليل، في ضواحي شمال بالدار البيضاء، ومن آخر في منطقة حد السوالم في نواحي المدينة ذاتها، فيما يقوم بعض الجزارين بذبح الحيوانات في منازلهم ليلا، حتى لا يؤدون رسوم المجازر القانونية، كما يقول الحيحي، الذي توقف عن التعامل مع الذبائح السرية بعد شكوى من جيرانه بأن اللحم الذي باعهم إياه أمرضهم وتسبب في معاناتهم من تسمم وطفح جلدي.


لماذا انتشرت الظاهرة؟

يدفع الجزارون رسوما تقدر بمبلغ يراوح بين 1000 درهم (101 دولار أميركي) و1500 درهم (153 دولارا)، حسب وزن الذبيحة الذي يتم في المجازر الحضرية، فيما تقتصر رسوم الذبح غير القانوني على مبلغ 200 درهم (20 دولارا).

ويردف الحيحي بأن تملص الجزار من مراقبة التفتيش الصحي البيطري والذي يضع أختام الجودة على اللحوم، لا يعود فقط إلى الرغبة في توفير المبلغ المدفوع إلى المجازر المعتمدة والبلدية، وإنما يعود إلى الوضعية الصحية للبهيمة، إذ تكون مريضة أو تعرضت للنفوق، ويتم ذبحها من أجل تحويل لحمها إلى كفتة أو نقانق، وهو ما يخالف القانون المنظم لعملية ذبح الحيوانات الصادر بتاريخ 8 أكتوبر/ تشرين الأول 1977 والذي ينص على أنه لا يجوز أن تذبح الحيوانات التي تظهر عليها أعراض اضطراب في الحالة العامة لأجل الاستهلاك العام، والحيوانات الهائجة أو المتعبة التي لم تستفد قبل الذبح من فترة راحة لا تقل عن 24 ساعة.

لكن النقابي في جمعية الجزارين بمدينة سلا القريبة من العاصمة الرباط (تبعد 91 كيلومترا عن الدار البيضاء)، محمد الضرعاوي، عزا هذه الذبائح السرية إلى الرغبة في الربح السريع ولو على حساب القانون وصحة المواطنين، شارحا أن البهائم النافقة أو المريضة هي الأكثر ذبحا بطريقة سرية، ما دام صاحبها يعرف مسبقا أن التفتيش الصحي البيطري لن يصادق على عملية ذبحها ويوافق على ختمها بخاتم التفتيش الصحي وطابع الجودة.

وذهب المتحدث إلى أن الذبائح السرية باتت تدر أرباحا كبيرة على "عصابات" تتاجر فيها، بدءا من الذين يوفرون المكان لذبحها، ومرورا بالجزار ومالك وسيلة النقل، وبعض أعوان السلطة، وانتهاء بالجزار الذي يبيع هذه اللحوم إلى المستهلك.

وتابع أنه لا يمكن تحديد الأرباح التي يحصل عليها كل هؤلاء، إذ إن كل طرف في العملية له نسبة من الأرباح عند إتمام ذبح البهائم، مرجحا أن الأمر يتعلق بإبرام "صفقات شفوية" بين الجزار الذي يذبح البهائم بطريقة غير قانونية، وبين بعض أعوان السلطة (المقدمون) الذين يغضون الطرف عن ما يقع.

لكن عون سلطة ببلدية تيط مليل، فضل عدم الكشف عن هويته، لأنه غير مخول بالحديث للصحافة، نفى في تصريح لـ"العربي الجديد"، أي تواطؤ بين رجال السلطة والأعوان مع الجزارين، مبرزا أن هناك تعليمات يومية لهم من أجل مراقبة ممتهني الذبائح السرية، وضبط أنشطتهم وتقديم تقارير عنها للسلطات المحلية.



خطورة الذبائح السرية

وثق معد التحقيق ما يجري في المسلخ الذي يشهد الذبائح السرية في منطقة حد السوالم، والتي تزود الدار البيضاء بأطنان من اللحوم الحمراء، عبر شهادة من سعيد لهمام، العامل السابق في المسلخ، والذي قال لـ"العربي الجديد": "يصعب على غريب أو أجنبي أن يدخل المكان أو أن يقوم بتصويره، إذ سيلقى الصد والمنع من طرف جزاري الذبائح السرية"، مشيرا إلى أن قناة تلفزية دخلت إلى المسلخ بالكاميرا الخفية، قبل أن يتم كشف أمر الصحافي وطرده".

ويضيف أن ما يجري في هذا المكان، وقس عليه باقي الأماكن التي يتم فيها الذبح بطريقة سرية، لا يمكن وصفه من فرط وضعه المتردي، إذ لا توجد أي احتياطات صحية، وتغيب الظروف المواتية للذبح، فضلا عن انتشار الأوساخ والكثير من المظاهر غير الصحية.

ويلتقط الحديث سائق دراجة ثلاثية "تريبورتور"، يدعى عبد الله شجيع، كان يعمل في ما مضى في حمل الذبائح السرية من مسلخ منطقة حد السوالم على متن دراجته لنقلها إلى محال الجزارين، قائلا لـ"العربي الجديد": "حتى لو كانت اللحوم جيدة صحيا، فإن مجرد نقلها بتلك الطريقة البدائية يجعلها خطرا على صحة الزبناء"، مؤكدا أنه توقف عن حمل هذه اللحوم لأنه لم يعد يتحمل توبيخ الضمير بعد شكاوى عديدة من مستهلكي هذه اللحوم رخيصة الثمن، إذ تسبب تلك اللحوم العديد من الأمراض لمن يتناولونها، من قبيل مرض السل والحمى المالطية، والجدري، أو الإصابة بالأكياس المائية التي تنتقل من الحيوان إلى الإنسان، وفق ما يؤكده الطبيب البيطري في القطاع الخاص إبراهيم حمان.


احتجاجات ضد الذبائح السرية

بسبب تفشي ظاهرة الذبائح السرية والمهربة، في العاصمة الاقتصادية للمملكة، احتجت في شهر مارس/ آذار الماضي، ثلاثة مكاتب نقابية لمهنيي المجازر على تفشي ظاهرة الذبيحة السرية واللحوم المهربة، ورفعت شعارات من قبيل "هذا عار، هذا عار الصحة في خطار"، مطالبة بتدخل الدولة لحل مشكلة الذبيحة السرية وحماية صحة المستهلكين من مخاطرها، وبينما يجري الحديث حاليا عن زيادة رسوم الذبح بالمجازر الحضرية بنسبة 10 في المائة، ندد جزارو الدار البيضاء خاصة بهذا التوجه، إذ يخشى رئيس الجمعية الوطنية لبائعي اللحوم بالجملة اكتساح الذبائح السرية للمدينة، في حال تطبيق هذه الزيادة، ويقول رامو، رئيس الجمعية: "صغار الجزارين سيضطرون إلى مغادرة المجازر، والبحث عن الذبائح السرية". وهو ما يوافقه فيه البيطري حمان، محذرا من تصاعد ظاهرة تزوير الأختام الصحية لخداع السلطات الصحية والمستهلكين.

ونصح حمان المستهلكين بالتاكد من وجود أختام اللحوم الحمراء الجديدة التي تم اعتمادها في يناير الماضي، والتي تنقسم إلى أختام على مستوى مجازر اللحوم الحمراء المعتمدة، وتضم خاتم التفتيش الصحي البيطري، وهو عبارة ختم بني بيضاوي الشكل يحمل البيانات التالية: تفتيش صحي بيطري، رقم اعتماد المجزرة، أما ختم الجودة فهو عبارة عن مستطيل أحمر الشكل يبين صنف الحيوان مصدر اللحم (بقر، غنم، ماعز، جمال) وكذلك نوع الجودة: ممتازة أو جودة 1 أو جودة 2.


وعلى مستوى المجازر البلدية، أشار الطبيب البيطري إلى أن ختم التفتيش الصحي البيطري بني بيضاوي الشكل يحمل البيانات التالية: تفتيش صحي بيطري، رقم المجزرة البلدية، في حين أن ختم الجودة عبارة عن مستطيل أحمر الشكل يبين صنف الحيوان مصدر اللحم (بقر، غنم، ماعز، جمال) وكذلك نوع الجودة: جودة ممتازة أو جودة 1 أو جودة 2، وعلى مستوى وحدات الذبح بالأسواق الأسبوعية، لا بد من توفر ختم التفتيش الصحي البيطري بيضاوي الشكل ذو اللون الأحمر والذي يحمل بيانات التفتيش الصحي البيطري ورقم وحدة الذبح وصنف الحيوان مصدر اللحم، قائلا: "أنصح المستهلكين بعدم الخضوع لإغراء السعر الرخيص والتأكد من أن كل اللحوم الحمراء المعروضة للبيع عليها ختم التفتيش الصحي البيطري الذي يضمن سلامة وجودة اللحوم المعروضة للبيع".