الدولة الغائبة

الدولة الغائبة

23 فبراير 2015
+ الخط -

لا شكّ في أنه بعد كلّ ثورة، تدخل البلاد في أتون من الفوضى والارتدادات المتتالية، إلى أن تنتهي إلى غلبة طرف ما، القديم أو الجديد. وحالة اللاغلبة، المتفق عليها، بدعة وتمهيد لعودة القديم على نار هادئة.
تصنع هذه النار الهادئة حرائق كثيرة، والتي في المنظور محدودة الآثار، لكنها تأسيس لعودة خراب قديم. قد لا يرى الثوّار حجم خسائرهم الآنية، لكنهم سيعيشونها لاحقا، ولأجيال أخرى. وتتمثّل في بدايتها، هذه النار، في غياب الدولة، خصوصاً في أهم مؤسساتها، المؤسسة الأمنية. لنرى ما يحدث في وزارة داخليتنا في تونس، هل يعجب ما يحدث؟ كلّا، فلا عاقل يقبل بما يحدث؟
السؤال الأهم، من هو وزير الداخلية؟ وما مدى صلاحياته أمام الوضع القائم؟ لماذا يتحدث الناطق الرسمي، كأنه الآمر الناهي، مع أن دوره كان يجب أن يقتصر على توضيح مواقف، لا أن يتعداها، ليعطينا القرارات والبرامج اللاحقة التي تسبق حتى قرار الوزير.
أخطر من ذلك، ما يحدث ضدّ آمر الحرس الوطني، فقد اشتركت مؤسسات إعلاميه ورجال أمن في تسويق اتهامات خطيرة ضدّه. هذه الاتهامات ستؤثر، بالضرورة، على الشعب، بزيادة كمّية الخوف، فكيف يكون على رأس مؤسسة، من المفترض أن تحرس على أمنهم، رجل يثيرون، علناً، مخاوف من ارتباطه بجماعات سلفية، وأخبار عن تقديمه كميات كبيرة من الأدوية لمجموعات ليبية قد تكون في دائرة الشك، ثمّ، أصلاً، ما دخله في الدواء وتوزيعه؟
يجيب الرجل، وعلناً أيضاً، بأن اتهامات النقابات الأمنية له تحيل على ثلاثة احتمالات خطيرة، الأول أن كل المؤسسات الأمنية الأخرى تعرف تورطه، وتتستر عليه. الثاني أن الأمن والاستعلامات العسكرية تجهل حقيقته وأدواره الخطيرة على أمن التونسيين، وبالتالي، هي غير كفوءة، والنقابات الأمنية تمتلك قدرات استخباراتية أقوى من التي تمتلكها الدولة، والثالث أن هذه الأطراف المدّعية عليه تقود حرباً ضدّ طرف ما لإقصائه.
وهذا مؤشّر خطير على غياب الدولة. فقد كان من المفترض على الرئيس المنتخب ورئيس وزرائه بدء إجراءات فورية، تحفظ للدولة هيبتها، أهمّها إصلاح ما يحدث في وزارة الداخلية، وإصلاح الصورة السيئة التي تمّ تسويقها إلى الرأي العام، بأن هناك أكثر من وزارة، وأكثر من آمر ناهٍ فيها. وفتح تحقيق عاجل في كل الاتهامات الموجهة إلى أي طرف، ومنع كل تداول إعلامي حول غسيل الوزارة التي أصبحت محل تندّر الجميع.
تحتاج تونس عودة الدولة، لا بالتوافق، لأن التوافق يؤجل أخطر الحرائق، وإنما بتطبيق القانون والامتثال له، والبداية تكون من وزارة الأمن.

محجوب قاهري
محجوب قاهري
محجوب أحمد قاهري
طبيب وناشط في المجتمع المدني، يكتب المقالات في عدد من المواقع في محاولة لصناعة محتوى جاد ورصين.
محجوب أحمد قاهري