الدنمارك تحقق بدعم مالي سعودي لمعارضين إيرانيين متهمين بالإرهاب

الدنمارك تحقق في دعم مالي سعودي لمعارضين إيرانيين متهمين بالإرهاب

12 يونيو 2020
الخارجية الدنماركية استدعت السفير السعودي للاستفسار (العربي الجديد)
+ الخط -
أظهرت تحقيقات جهازي الاستخبارات والشرطة في الدنمارك، والتي قدمت أمام قضاة التحقيق، أنّ مالاً سعودياً قُدم لدعم حركة "النضال العربي لتحرير الأحواز"، المعارضة للوجود الإيراني في إقليم الأحواز. 

ويتهم جهاز الاستخبارات الدنماركية (بيت) 3 من أعضاء الحركة، كان يحميهم في مدينة ريغنستيد، جنوب العاصمة كوبنهاغن، من عمليات تصفية محتملة تقف خلفها طهران، بـ"دعم وتحريض على أعمال إرهابية في إيران من خلال أموال مقدمة من جهاز الاستخبارات السعودي"، الأمر الذي ينفيه المتهمون وأحوازيون تواصل معهم "العربي الجديد خلال اليومين الماضيين، ​في الدنمارك وهولندا والنمسا. 

وكانت كوبنهاغن استدعت، الأربعاء الماضي، السفير السعودي فهد الرويلي، إلى وزارة الخارجية، بعد بروز المعلومات الجديدة. ولم يرق طلب الاجتماع في وزارة الخارجية الدنماركية، إلى الاستدعاء الدبلوماسي الاحتجاجي للسفير السعودي، حيث اقتصر على لقاء بموظف في الوزارة، في إطار جلسة "استفسار"، وفقاً لمعلومات "العربي الجديد".

يذكر أنه باتت أمام المحاكم الدنماركية قضيتان تتعلقان بكل من الاستخبارات الإيرانية والسعودية، في ادعاء دعم مفترض للبلدين لطرف إيراني في هولندا، وغيرها من الدول الاسكندنافية.

بداية القضية
وبدأت القصة في خريف 2018، حين قامت الشرطة الدنماركية بإغلاق الحدود ونشر الشرطة على الجسور، ليتبين أنها تلاحق عميلاً إيرانياً- نرويجياً متهماً اليوم بـ"الشروع في عملية قتل"، حين كان يتحضّر، بدعم من جهاز الاستخبارات الإيراني، لتصفية أعضاء في حركة "النضال العربي لتحرير الأحواز". 

وبعد الحملة الأمنية التي أدت في نهاية المطاف إلى اعتقال العميل الإيراني في السويد، وتسليمه لكوبنهاغن، بدأت الأجهزة الأمنية، بعد نقل 3 أعضاء من الحركة إلى مكان آمن، وتقديم حماية لهم على مدار 24 ساعة، بفحص حيثيات ما يجري على الأراضي الدنماركية.

وحركة "النضال العربي لتحرير الأحواز" معروفة في الدنمارك بنشاطها العلني والإعلامي، وتشارك في فعاليات عربية مختلفة، ولم يخف مسؤولوها "الرغبة في سقوط نظام طهران وتحرير أراضي الأحواز"، بحسب ما يذكره، لـ"العربي الجديد أحد النشطاء فيها عبد السلام الأحوازي. 

ويرفض الأحوازي الاتهامات الموجهة لقيادات في الحركة بـ"التحريض ودعم الإرهاب، فالحركة في أوروبا تقوم بدور سياسي وإعلامي، ونسب تفجير الأحواز، في سبتمبرأيلول 2018، إلى الحركة أمر ظالم"، في إشارة إلى التفجير الذي استهدف استعراضاً عسكرياً إيرانياً، والذي شكّل فيما بعد حجر الزاوية في التحقيقات الجارية، إثر اكتشاف جهاز الاستخبارات الدنماركية ما اعتبره "محاولة انتقام" إيرانية على الأراضي الدنماركية، كانت تستهدف أعضاء الحركة الذين جرى نقلهم بعد كشف المخطط وملاحقة العميل الإيراني. 

وكانت حركة "النضال العربي لتحرير الأحواز" قد أيدت الهجوم، الذي استهدف العرض العسكري الإيراني.

ويبدو أنّ المراقبة التي قامت بها استخبارات الدنمارك، وثقت "صلة العميل الإيراني بمخطط اغتيال على أراضي الدنمارك وهولندا"، الأمر الذي استدعى تقديم الدنمارك تحذيراً شديد اللهجة في حينه، بعد استدعاء سفيرها من طهران، وأيضاً السفير الإيراني إلى الخارجية الدنماركية، احتجاجاً على جعلها ساحة مواجهة وتصفية حسابات، كما سمته حينها وسائل الإعلام نقلاً عن مصادر سياسية وأمنية وبرلمانية (لجنة شؤون الأمن والخارجية).

واعتبر الإيرانيون أنّ أعضاء حركة "النضال العربي لتحرير الأحواز" في الدنمارك مسؤولون عن تمويل العمليات في إيران.

وفيما سار التحقيق الدنماركي باتجاه فحص ما إذا كانت الحركة بالفعل على صلة بذلك التفجير، اعتقلت، في فبراير/ شباط الماضي، من كانت تحميهم، ووجهت لهم تهماً بدعم الإرهاب والتجسس على أراضي الدنمارك ضد السفارة والمؤيدين للنظام الإيراني.

الدور السعودي

الجديد الذي كشفته التحقيقات، وتوسيع لائحة الاتهامات، هو ذكر دور الرياض في مسألة الدعم المالي للحركة. 

ومددت محكمة روسكيلدا، جنوب كوبنهاغن، أمس الخميس، حبس المتهمين على ذمة القضية، حتى التاسع من يوليو/ تموز المقبل، واستندت في طلبها إلى "أدلة جدية عن دور السعودية، من خلال جهاز الاستخبارات، في تقديم أموال لحركة النضال العربي (المعروفة اختصاراً في كوبنهاغن بـASML)"، وهو ما جعل الخارجية الدنماركية، أول أمس الأربعاء، بعد الاطلاع على تلك المعلومات، تستدعي السفير السعودي في كوبنهاغن، حيث التقى بمدير الدائرة السياسة فيها للاستفسار عن تقديم "دعم مالي من المخابرات السعودية بين 2012 و2018 للحركة"، التي يتهم 3 من أعضائها بدعم الإرهاب.

وزير الخارجية الدنماركي ييبا كوفود، اعتبر، وفقاً لما أورده التلفزيون الدنماركي، الاتهامات "خطيرة جداً"، ما استدعى برأيه "رد فعل فورياً باستدعاء السفير السعودي".

وأكدت الشرطة الدنماركية والاستخبارات، في جلسات الاستماع، أمس الخميس، أنّ "الحركة تلقت أو حاولت تلقي دعم مالي سعودي، بلغ حوالي 20 مليون كرونه دنماركية، و37 مليوناً أخرى لمصلحة أطراف ومجموعات أحوازية أخرى"، وفقاً للادعاء. 

واعتبر المدعي العام في القضية رونا روديك، أنّ "ذلك يثبت أن المتهمين كانوا بصدد نقل أموال إلى شخص أو مجموعة لتنفيذ أو دعم عمل إرهابي".

ويرفض المتهمون تلك الاتهامات. ونقل عنهم محاميهم كورا ترابيرغ شميت، أنهم "غير مدركين لكل تلك التهم، ويرفضون كل ما جاء في لائحة الاتهام، وأنهم تحدثوا مع الشرطة والمحكمة عن كل التفاصيل وعن طيب خاطر، لكنهم يستغربون التهم الموجهة لهم".

وعلى عكس التهم الموجهة لهم بدعم الإرهاب، أكد عبد السلام الأحوازي، لـ"العربي الجديد"، أن "الحركة هي التي استُهدفت بأعمال إرهابية، وأن من نفذ اغتيالات طاولت أعضاء وقادة في حركة النضال العربي في هولندا معروف، وهو أمر تعرفه المخابرات الدنماركية بعد اعتراف المعتقل الإيراني- النرويجي الذي كان بصدد القيام بعمل مماثل في الدنمارك". 

وتربط الاستخبارات الدنماركية بين العميل الإيراني المعتقل، وعلاقته باستخبارات طهران، وعمليات الاغتيال التي شهدتها هولندا.

وأكد نشطاء أحوازيون في أمستردام وفيينا، في اتصالات مع "العربي الجديد"، أن جمعية "أحوازنا"، والتي تملك محطة تلفزيونية فضائية تبث بالعربية، "لا ترتكب في أوروبا أي عمل يخالف القوانين التي تكفل حق النشاط السياسي والإعلامي، بما فيها تلك المتعلقة بما يجري في مناطقنا بالأحواز"

ولا يخفي بعض المتحدثين الأحوازيين الثقة بأن تلك التهم ستسقط، لأن أحداً من المتهمين لم يرتكب ما يخالف القوانين، و"قصة الدعم المالي، إن وجد، لا تتعلق بأعمال إرهابية، بل بدعم أنشطة تتعلق بقضيتنا ضد ممارسات النظام في الأحواز".

وأوضح من فيينا ناشط أحوازي تحفّظ على نشر اسمه، أن "القضية ستفتح أبواباً لم تكن في حسبان طهران، فلدى الاستخبارات الفرنسية والبلجيكية أدلة ووثائق عن ضلوع الاستخبارات الإيرانية باستهداف وقتل أعضاء في حركتنا بين 2015 و2017 في هولندا. وفي صيف 2018، جرى التعاون بين بلجيكا وفرنسا لإحباط هجوم كبير على مؤتمر كانت تحضره جماعات إيرانية معارضة في باريس".

يذكر أنّ حركة "النضال العربي لتحرير الأحواز" ليست على قوائم الإرهاب الأوروبية، وعملها وأنشطتها غير ممنوعة، غير أن الكشف عن دور للمخابرات السعودية يعد نقلة في القضية، مع كثير من التكهنات بأن ينعكس ذلك على العلاقات بين كوبنهاغن والرياض، واللتين ترتبطان بعلاقات تجارية واقتصادية متينة منذ سنوات طويلة.