الدراما المشتركة: غياب الممثلين السوريين عن منصات التتويج

الدراما المشتركة: غياب الممثلين السوريين عن منصات التتويج

23 سبتمبر 2019
حازت نادين لقب أفضل ممثلة عربية للعام 2019 (Venturelli/Getty)
+ الخط -
تجمع الدراما العربية المشتركة خليطًا متنوعًا من نجوم وممثلين ذوي قدرات فنية عالية وأخرى متوسطة. كان لا بد أن تتأرجح، على أثر هذا الخليط، أحقية انتقاء الممثل الأفضل لدى جماهير الشارع العربي من جهة، ومنحه بشكل رسمي ومعمم لقب أفضل ممثل عربي في المهرجانات والفعاليات العربية، رغم افتقاد هذا التعميم للبنية النقدية السليمة والمنصفة في عملية الاختيار في كثير من الأحيان من جهة أخرى.

فعلى سبيل المثال، حصلت الممثلة اللبنانية نادين نسيب نجيم منذ أيام، على لقب أفضل ممثلة عربية للعام 2019، بناء على تصويت الجمهور، عن دورها في مسلسل "خمسة ونص" الذي عرض في شهر رمضان الماضي. قاسمها الجائزة زميلها في المسلسل نفسه، الممثل السوري معتصم النهار، كأفضل ممثل عربي، وذلك ضمن حفل توزيع جوائز الدورة العاشرة من "مهرجان الفضائيات العربية" الذي أقيم في مدينة القاهرة.

ولكن هل يخولنا هذا الاستحقاق عدم الاعتراف بنجومية نجيم وموهبتها؟ وهل استحقت هذا اللقب عن جدارة بفعل تصويت الجمهور وآراء النقاد، بينما غابت عن اللقب أسماء كبيرة من ممثلات الدراما السورية اللواتي لهن باع طويل سواء في الأعمال المحلية أو حتى العربية؟ بالطبع لا شك لدينا حول تصدر نجيم قائمة أفضل ممثلات لبنان، خصوصًا مشاركاتها في أعمال تلفزيونية حققت نجاحًا كبيرًا على المستويين المحلي والعربي، وقد نالت عليها لسنوات متتالية لقب أفضل ممثلة لبنانية في الـ"موريكس دور"، أحد أكثر الفعاليات شهرة في لبنان والوطن العربي. ولكن، بعد متابعة الواقع الدرامي المشترك خلال السنوات العشر الماضية، واختلاط الحابل بالنابل، وتصعيد جهود شركات الإنتاج اللبنانية في تحويل نجومها لممثلات صف أول في لبنان والوطن العربي على حساب التاريخ الدرامي السوري والمصري ونجومية أبطالهما، بات المشاهد العربي في حالة خلل وضياع تحكيمي.

أسباب عديدة مهدت لمثل هذه الظاهرة، لعل أولها تأثير منصات التواصل الاجتماعي، إذْ باتت حياة نجوم الفن والدراما المهنية والأسرية أقرب إلى الجمهور، صاحب المزاج الخاص في اختيار أبطاله ونجومه المفضلين ومتابعتهم، تلاها تشكيل مجموعات "الفانز" الخاصة بالفنان، والتي تتابع أعماله ونشاطاته وتروج له لدرجةٍ تصل في كثير من الأحيان إلى حد المبالغة.

من الأسباب الأخرى، هو نهوض الدراما اللبنانية إثر دخولها المعترك الإنتاجي العربي على حساب تراجع الدراما السورية وتقويضها محليًا، منذ السنوات الأولى للثورة السوريَّة، الأمر الذي شكل لاحقاً تضارباً في الآراء النقدية إيجاباً وسلباً بين الأوساط الفنية. وجهات نظر مختلفة توزعت بين مؤيد لتعددية هذه الثقافات المختلطة، وما شكلته من جسور تواصل، تمرر أفكاراً ورؤىً فنية متنوعة، ومُعارِض لها نظراً لما تقدمه من أعمال متردية المستوى، وتشوش الذائقة العربية التي اعتادت على نكهة درامية مميزة كانت سائدة قبل بدء الثورة السورية التي نتجت عنها مضاعفات أحالت الإنتاج الدرامي السوري إلى اضمحلال، ثم ندرة وجود بين المحطات العربية. ما دفع إلى تصدير أهم وأبرز نجوم الشاشة السورية إلى الخارج، وقبولهم التعاون مع جهات إنتاجية استفادت بشكل كبير من خبراتهم ونجوميتهم.

حقق مسلسل "خمسة ونص" نجاحاً كبيراً على المستويين اللبناني والعربي، ما أضاف نجاحاً آخر إلى مسيرة الفنانة الشابة نادين، إذْ سبق واحتفلت نجيم منذ أسابيع بوصول عدد متابعيها على حسابها الخاص على إنستغرام إلى 9 ملايين متابع، لتصبح أعلى نسبة تحصل عليها ممثلة عربية على مواقع التواصل.

أضف إلى ذلك، وصول بعض أعمالها إلى الشاشات العالمية، إذْ أبرمت شركة "صبّاح للإعلام" اللبنانية قبل سنتين، اتفاقات خارجية في بورتوريكو (إحدى جزر الكاريبي في أميركا الشمالية) من أجل دبلجة عدد من المسلسلات التي شاركت فيها نجيم إلى اللغة الإسبانية، منها مسلسل "لو" و"طريق" و"سمرا"، إضافة إلى مسلسل "تشيللو" الذي بدأ عرضه فعلاً قبل أقل من أسبوعين على بعض القنوات الإسبانية.

من يقرأ مثل هذه المعطيات، سيجزم لا محالة بتفوق نجيم على نظيراتها من نجوم الدراما اللبنانية أو العربية، وترجيح كفة التصويت لصالحها، في ظل غياب الممثلات السوريات اللواتي قدمن أداءً باهرًا لا غبار عليه ولا طائل من مساءلته نقديًا، سواء في الحقبة الدرامية الجديدة أو القديمة. ولو غضضنا النظر قليلًا عن شكل السيناريوهات المطروحة، كمحاولة لتشبيك الهويات العاملة في أي نص درامي مشترك وإقناع الجمهور بها، بالرغم من ندرة نجاح هذا التشبيك والإقناع، كما في حالة مسلسل "هوا أصفر" من بطولة الممثلة السورية سلاف فواخرجي والممثل اللبناني يوسف الخال، أو مثل مسلسل "حرملك" الذي جمع أهم وأقوى ممثلات الدراما السورية، فهي أعمال بطبيعتها تؤهلها للتشابك. على عكس بقية الأعمال الأخرى التي عرضت في الموسم الرمضاني السابق، فإن هذا التزاوج الدرامي لا يبيح التغاضي عن أسماء كبيرة في الدراما السورية، وعدم منحها لقب الممثل العربي الأول. فماذا عن فواخرجي وسلافة معمار وشكران مرتجى ووفاء موصللي وصفاء سلطان وكاريس بشار؟ ماذا عن سمر سامي التي أدت دور "الجليلة" بشكل مبهر ولافت في مسلسل "عندما تشيخ الذئاب"، ورنا شميس في "دقيقة صمت"؟

جل ما تم اختياره لم يكن منصفًا بحق أولئك النجوم، ولا يعود سبب ذلك فقط لتبعية الجمهور والشهرة والتفاعل والتضخيم والإنتاج، بل أيضا تضاف إليها واحدة من سلبيات الدراما المشتركة التي جاءت، كما هو ظاهر، لتلغي السيطرة الدرامية السورية على المشهد الفني والتلفزيوني، من خلال جعلها على سوية فنية واحدة، أو أقل لربما.

دلالات

المساهمون