الدراما السورية في لبنان

الدراما السورية في لبنان

16 يوليو 2015
استحوذت الدراما السوريّة على إعجاب الشعوب العربيّة (فرانس برس)
+ الخط -
تتأثّر المجتمعات وتتداخل فيما بينها، وهذا ما يعرف بالمثاقفة، وقد تتطوّر هذه العلاقة والمثاقفة إلى حد نقل ليس القيم والعادات بين المجتمعات فقط، بل تتعدّاها في بعض الأحيان إلى نقل ومشاركة الأعمال الفنّية، ونخصّ هنا الدراما السوريّة وتأثيرها في الدراما اللبنانيّة، خصوصًا بعد الأزمة التي حلّت بسورية ولجوء بعض الفنانيين والمبدعين والكتّاب السوريين إلى لبنان. فكيف تأثّرت الدراما اللبنانيّة بوجود الدراما السورية؟


من المعروف أن الدراما السوريّة تستحوذ على إعجاب مختلف الشعوب العربيّة، وتحتل مكانة متقدمة في نسبة المشاهدة منذ ثمانينيات القرن العشرين، وذلك نتيجة حرصها الدائم على نقل وقائع شبه حقيقيّة نعيشها في عالمنا المعاصر، مع نجاحها في نقل معاناة الناس وهواجسهم ومعيشتهم بطريقة تحاكي الواقع كما هو، وتصور حال المجتمع ومشاكله، الأمر الذي جذب المشاهد. ولا ننسى أن الدراما السوريّة كانت تعيش حالة احتضان رسمي وشعبي في سورية؛ ما أعطاها زخمًا وهويّة متميّزة متأثّرة بالفن الاشتراكي الذي يقوم على محاكاة الواقع ونقله وتصويره وتجسيده في قالب درامي وبتأثير نفسي سهل الوصول إلى عيون المشاهد وقلبه وأحاسيسه وذكرياته وتراثه وحكاياته الشعبية، طارحاً تسلية غير مكلفة ومتعة.

في المقابل، تعيش الدراما اللبنانية أزمة وشبه غياب وتعثرا، على الرغم من وجود معاهد تمثيل ومسرح في الجامعات اللبنانية، وتلفزيونات وحرية إعلام غزا العالم العربي في برامجه وقدرته على التجديد والنقد والطلاقة في التقديم والبرامج السياسية والمسلية، لكنه عجز عن تقديم دراما تحاكي واقع المجتمع اللبناني ومشاكله.

وعلى الرغم أيضًا من أن تلفزيون لبنان من أقدم التلفزيونات في الدول العربية، بعد المصري، وقدّم في ستينيات القرن العشرين دراما عربية مهمة، وانطلق منه نجوم وفنانون تركوا بصماتهم في الإبداع الدرامي العربي من خلال المسلسلات التي كانت تُعرض أسبوعيًا والتي لاقت رواجًا وشهرة واسعة. لكن وبموضوعية تراجعت هذه الأعمال الفنيّة الإبداعية مع بداية الحرب الأهلية في عام 1975. فإلى جانب الخسائر الماديّة والبشرية التي خلّفتها هذه الحرب، ماتت الدراما اللبنانية ومات أبطالها فقراء معدمين.

بعد انتهاء الحرب في عام 1990، تحرك الإعمار وتحديث الإعلام ونشط الفن، خصوصاً الغنائي منه في برامج مواهب كثيرة، لكن صناعة الدراما بقيت راكدة، وتخلّت الدولة اللبنانية عنها، وحتى شركات القطاع الخاص، ما خلا بعض الأعمال الخجولة ضعيفة الحبكة والإخراج، والتي تميّزت أيضاً بضعف الإنتاج وعدم محاكاة الواقع اللبناني الحقيقي، وكانت أقرب إلى المدرسة الفرنسية في الإخراج من حيث برودة الأداء والتصوير ضمن الغرف المغلقة والاستوديوهات.

لكن، ما حصل أنّه بعد الأزمة السوريّة انتقلت الدراما من سورية بفنّها وفنانيها إلى مختلف البلدان العربية من دبي وأبوظبي وغيرها، وإلى لبنان، بحثًا عن لقمة العيش، وسعيًا للبقاء في الساحة الفنيّة، وكان للبنان النصيب الأكبر؛ نظرًا إلى قربه جغرافياً واجتماعياً وحرية العمل فيه وسهولة التنقل والحركة، أضف إلى ذلك أن ثقافة كل من لبنان وسورية لا تختلف كثيرًا إذ بقيت ثقافة الكاتب السوري تساعده على نقل الوقائع الحقيقية التي نعيشها في المجتمع بأسلوب ممنهج ومدروس إلى حد ما.

فبدأت بعض الأعمال الفنية السورية تُنتج وتصوّر في لبنان، ومن ثم بدأ بعض الفنانين اللبنانيين يشاركون الفنانين السوريين في هذه الأعمال، إنتاجاً وتمثيلاً وإخراجاً وإضاءة.. وغيرها. ورويداً رويداً كبرت المشاركة، وزادت الأعمال، وارتفعت نسبة المشاركة اللبنانية في هذه الأعمال، مع ظاهرة جديدة هي مشاركة فنانين مصريين أيضاً.

باختصار، لا ننكر أن الدراما اللبنانية انتعشت عند دخول الدراما السورية إليها، ليس فقط أنها فتحت المجال أمام كثير من الفنانين اللبنانيين للمشاركة في المسلسلات السورية، وشجّعت شركات الإنتاج اللبنانية على الانخراط في عملية إنتاج الدراما المشتركة، ما حقّق ربحاً ماديًا ووشهرة مهمة تحت غطاء الفن والإبداع والموهبة، بل أثّرت في نوعية ومواضيع وطريقة إخراج وحتى عملية الإنتاج في المسلسلات اللبنانية نفسها، وراحت الكاميرا اللبنانية تتوسع وتخرج من الإطارات المغلقة، ومواضيعها تمس الواقع المعاش.

لكن، إلى أي مدى ستبقى هذه التأثيرات السورية الفنّية في الدراما اللبنانية؟ أو بمعنى هل ستعود الدراما اللبنانية إلى الغياب لحساب الأغاني بعد عودة الدراما السورية إلى منشئها؟ ما نريد قوله هو أن هذا الوجود الدرامي السوري في لبنان سيؤسس لمستقبل دراما لبنانية جديدة. وبرأيي أن الدراما اللبنانية ستستمرّ في هذا التقدم، خصوصًا أنها حققت وتحقق نجاحات واسعة وعديدة على الساحة الفنيّة.

(لبنان)

المساهمون