Skip to main content
الدراما البدوية... دخول الموسم الصحراوي
عدنان حمدان
لعب رشيد عسّاف دور البطولة مسلسل "راس غليص" (فيسبوك)
تتعدد أنواع الدراما التلفزيونية؛ بعضها يستهوي قسماً من الجمهور، وآخر يستهوي قسماً آخر منه، وتبقى مزاجية المتلقي ورغبته هي الأساس في انتقائه للأعمال التي يحب مشاهدتها. كانت الدراما البدوية جزءاً أساسياً في مرحلة من المراحل بتثبيت أركانها وعرضها على القنوات العربية، كما استقطبت شريحة كبيرة من الجمهور، إذ نالت هذه الدراما اهتماماً من قِبَل المنتجين العرب لتصوير حياة البادية وإعادة إحياء تراثها، وكانت الدراما السورية سبّاقةً لإنتاج أعمال بدوية قيّمة.

منذ البدايات
لا يمكن نسيان العمل الأشهر "راس غليص"، الذي أخرجه علاء الدين كوكش، ولعب بطولته عبد الرحمن آل رشي وسلمى المصري وهناء ثروت، وغيرهم من النجوم السوريين والعرب. ورغم أن العمل كان من إنتاج عام 1975، إلا أنه حقق صيتاً ذائعاً، وربما كان بداية تلفزيونية "حقيقية" لإنتاج نوع من الأعمال كهذا. كما أن عدة أعمال بدوية أخرى، لعب بطولتها نجوم سوريون، ما زال يتذكرها الجمهور حتى اليوم، فهي مؤثرة وحاضرة في ذاكرته لما لها من قيمة وقدرة على تحقيق عامل التشويق فيها.
الكثيرون يستذكرون مثلاً مسلسل "غضب الصحراء" للمخرج هيثم حقي، الذي ظهرت فيه الفنانة واحة الراهب للمرة الأولى، وكانت الحكاية تدور حول صراع قبلي وثأر ضمن أحداث مشوقة.
أيضاً، لحكاية "راس غليص" المكونة من ثلاث عشرة حلقة عام 1976 التي لعب بطولتها عبد الرحمن آل رشي، تأثيراً محبباً لدى الجمهور، وهي قصة تدور حول اتهام "غليص" زوراً بالاغتصاب وهربه من قبيلته إلى قبيلة أخرى، ما يشعل النار بين قبيلتين بسبب امرأة.
كما كان لمسلسل "البركان"، الذي لعب بطولته الفنان رشيد عساف، وأخرجه محمد عزيزية، دور في تكريس فكرة الدفاع عن الأرض والممتلكات، وحقق أيضاً نسبة مشاهدات عالية، كما استطاع كسب الرهان في استقطاب شريحة كبيرة من الجمهور.
وربما كانت غالبية الأعمال البدوية تدور عبر صراع معين، "خارجي أو داخلي"، لا يخلو من القتل والدماء والحروب، لكن توجهت أيضاً فئة من هذه الأعمال لتقدم قصصاً سعت إلى تجسيد الوجه الآخر من حياة البدو التي يملؤها الحب الصافي كصفاء ليل الصحراء القابعين فيها. المثال الأشهر على ذلك تلك الخيام التي جمعت "جواهر" وحبيبها في مسلسل أنتجه المركز العربي الأردني ولعب بطولته نجوم سوريون مثل منى واصف، مرح جبر، ومازن الناطور، حيث دخل العمل في سرد قصة حب "جواهر" و"حمد" ابن شيخ العشيرة الذي يغرم بها ويتزوجان حقاً، لكن لا تكتمل فرحتهما حتى النهاية، كذلك الأمر في العمل الأثير بذاكرة الناس وهو "وضحة وابن عجلان"، الذي غذى الجمهور بقصة حب كبيرة عاشها هذان المغرومان اللذان طغى على صفات حبهما صدق طقس البوادي وهدوئها، فبقي الشاعر ابن عجلان والفارسة وضحة مخلدَين في قلوب الجمهور حتى يومنا هذا، وكان العمل من كتابة الدكتور أحمد عويدي العبادي، وسيناريو وحوار خالد حمدي، في حين أخرجه غسان جبري ولعب بطولته يوسف شعبان وسلوى سعيد.

عصر جديد من "البداوة"
شهدت الدراما البدوية حالة من الازدهار أيضاً بين 2000 و2010، وإذا استذكرنا هذه المرحلة ستمر على طيف ذاكرة أبصارنا عدة أعمال لها تأثيرها الكبير في الدراما التلفزيونية، مثل "آخر الفرسان"، العمل الذي نال شهرةً عربية واسعة، وقد لعب بطولته رشيد عساف وجويل بحلق، في حين كتب النص الكاتب السوري هاني السعدي، وقدمه للشاشة المخرج نجدت أنزور في قصة مليئة بفانتازيا الفروسية والأنَفة البدوية. وأحيطت بهذه القصة تفاصيل الشعر والألغاز والنضج لدى نساء البدو ورجالهن، ليكون التحدي في كسب قلب "شيماء"، الفتاة الجميلة، بمبارزتها شعرياً وبنضوج فروسية الرجل الصحراوي بنظرها. وتتالت في ما بعد عدة أعمال بدوية عربية حققت أيضاً مشاهدات واسعة وعُرِضَت على أهم القنوات العربية، لكن كانت في غالبيتها أعمالٌ أُعيدَ إنتاجها من جديد بعد مرور سنوات على القديمة منها، مثل "راس غليص"، الذي قدمه رشيد عساف من جديد لكن ضمن ثلاثين حلقة، كذلك الأمر بالنسبة لمسلسل "نمر بن عدوان"، الذي اشتهر بفروسيته وقصة حبه لوضحة.
كانت النسخة الجديدة عن الأصلية "نمر العدوان" عام 1976 من بطولة الراحل ياسر المصري وصبا مبارك، اللذين لعبا أيضاً دور البطولة في المسلسل البدوي "عيون عليا" بشخصية المرأة البدوية الجميلة التي يتنافس شيوخ القبيلة على الظفر بها، فيتزوجها "عناد"، الفارس المغوار.
ومن الواضح أن مسلسلات البادية اتجهت نحو قصص الحب أكثر من الثأر والحروب في محاولة لكسب شريحة مختلفة من جمهور هذه الأعمال التقليدي، وعمل بعض الكتّاب على تطوير هذه الدراما؛ فكان مسلسل "فنجان الدم" الذي أخرجه الليث حجو، وقدم فيه رؤية مختلفة جعلت من العمل يحظى بالإشادة من الجمهور والنقاد، حيث تجتمع قبيلتان متصارعتان لتواجهان عدواً واحداً هو "العثمانيون"، تلاه بعدها مسلسل "أبواب الغيم" عام 2010، الذي دخل في تفاصيل تطور الحياة البدوية كي يلاحق سرعة التغيرات حوله في شبه الجزيرة العربية، ليكون العمل خطوة مهمة أيضاً في خروجه عن المألوف والمعتاد الذي يدور عادةً في مثل هذه الأعمال مع صورة بصرية مميزة قدمها المخرج حاتم علي وكتبها عدنان العودة ولعبت سحرها النجمة سلافة معمار.
اختفاء تدريجي
دخل العالم في صراعات مختلفة منذ بداية عام 2011، سواء في سورية أو الدول العربية والعالم حتى، فانشغل المنتجون عن الدراما البدوية التي لم تعد متابَعة كما في السابق، ولم تعد ملفتة للمشاهد العربي الذي بدأ يغزوه الإنترنت وتفاصيل حياة جديدة بعيدة عن الخيام، كما تغيرت مخططات السوق الإنتاجية بعد ضعف الدراما السورية وبروز المشتركة على أكتافها بقصص سطحية، أو بمسلسلات تتناول حكاية الثورات والحروب ونتائجها على المجتمعات التي أنهكها القتل والنزوح، فكان التركيز على قصص فارغة تلهي الناس عن أوجاعها، أو بأخرى تزيد منها وتعرّيها.
ضعفت حركة الدراما البدوية ولم يُنتَج الكثير من هذه الأعمال في هذه الفترة، وبقيت محدودة بأعمال قليلة تحقق صدى ملحوظاً، وكانت مطوّرة في الحقيقة، كما لامست حدوداً مختلفة عما قبل، فكان مسلسل "توق" لغسان مسعود؛ العمل الذي قدم صورة الحياة البدوية بواقعية سحرية غريبة وملفتة لم تعهدها من قبل.
كما حاول الكاتب مازن طه أن يأخذ الدراما البدوية إلى منحى جديد؛ فقدم عملاً كوميدياً بدوياً بعنوان "الطواريد"، إلا أنه لم يلقَ النجاح المنظور رغم الأداء المتميز لمحمد حداقي وأحمد الأحمد. وطغت الأعمال المشتركة، أو السورية أو المصرية المتميزة التي تروي واقع المواطن العربي وحياته الاجتماعية على البدوية، فاتجه إليها المنتجون بشكل أكبر.
اليوم وقبيل رمضان 2020 بأيام، يُلاحَظ تقدُّم واضح في إنجاز الأعمال البدوية والدفع نحو إنتاج المزيد منها، وذلك بعد بروز التدخل والتحكم الإنتاجي من السوق الخليجية ومطالبها التسويقية في إعادة تكريس حياة البدو ضمن مسلسلات كاملة على الشاشات، فيطالعنا الموسم المقبل مسلسل "صقار" البدوي الذي تنتجه شركة غولدن لاين، ونجح المسلسل في النفاذ من أزمة كورونا لينهي تصويره بعد ستة أشهر من بدء التصوير في ريف دمشق مع نهاية عام 2019. ويلعب بطولة العمل رشيد عساف، الذي ارتسمت ملامحه منذ زمن كبطل للدراما البدوية، وأيضاً مجموعة من النجوم والشباب السوريين، عن نص لدعد ألكسان وإخراج شعلان الدباس.
العمل الثاني هو "حارس الجبل"، الذي يعيد صبا مبارك لهذا النوع من الأعمال، ليشاركها بطولة المسلسل منذر رياحنة والفنان خالد القيش، الذي غيّر وجهته تماماً بعد نجاحه، العام الماضي، في مسلسل "دقيقة صمت".
كما يعيد مسلسل "رياح السموم" الفنانة صفاء سلطان للدراما الأردنية البدوية؛ حيث يُعرَض في رمضان القادم، ويحكي عن صراعات على الشيخة بين قبيلتين، وبحكم أن هذه الأعمال منتهية التصوير قبل أزمة كورونا وستعرض بشكل كامل، فيبدو أنها ستنال النصيب الأكبر من العرض الثلاثيني الرمضاني في حال لم تُكمِل باقي الشركات مسلسلاتها.
سباق رمضاني صحراوي
تبحث القنوات اليوم عن أعمالٍ تغطي كامل الشهر الفضيل بثلاثين حلقة، ما قد يعيد القوة للدراما البدوية ويجعلها في الصدارة دوناً عن باقي الأعمال. عموماً، يبدو أن المنتجين وجدوا أرضاً خصبة لتصوير هذه الأعمال وإعادة هيكلتها من جديد في ظل هيمنة القنوات الخليجية على سوق العرض.
هكذا تجد دراما البداوة متنفساً جديداً، ولا سيما بعد انفصال شراكة المنتجين إياد الخزوز وياسر فهمي، مبتعدين عن الدراما القائمة على أبعاد دينية بعد سلسلة من الإشكالات لصالح دراما البداوة التي قد تجد متسعاً لها في السوق السعودية بعد نمذجة "باب الحارة" بصيغة سعودية، مثل مسلسل "حارة الشيخ". لكن يبقى السؤال عن قدرة الدراما البدوية التي ترصد صراعات قديمة مستمرة في تاريخنا العربي على النفاذ من الأيديولوجيا ومدى فلترة الجمهور لها أثناء المشاهدة وقراءة ما كتب بين السطور.