تشهد الدبلوماسية التونسية حالة من الاضطراب المتواصل، كان أهم مظاهرها تغيير وزير الخارجية بعد أشهر من تعيينه، والسجال الطويل الغريب بين الوزارة ومندوب تونس في الأمم المتحدة، قيس قبطني، بعد استقالته بسبب تغييره بشكل مفاجئ، وكان أن تابع التونسيون وغيرهم مسلسل بيانات بين المندوب والوزارة، بشكل دفع إلى الاستغراب من هذا المستوى الذي لم تعهده الدولة في معاملاتها مع المنتسبين إليها. ولكن الاضطراب لا يتجلى فقط في مسألة التعيينات والإقالات، فذلك أمر قابل دائماً للتأويل والخلاف، ولكنه وصل أيضاً إلى المواقف وإلى القضايا المصيرية، والأسس الدبلوماسية التي لم تتغير على الرغم من تغيير الأنظمة والحكومات في تونس، وعلى رأسها القضية الفلسطينية غير القابلة للنقاش بالنسبة للتونسيين.
وانتقد التونسيون موقف الرئيس قيس سعيّد من التطبيع الإماراتي مع إسرائيل، وسينتظرون موقفه بعد التطبيع البحريني، وهو الذي كان يردد قبل توليه الحكم أن التطبيع خيانة، إلا أن اعتباره أن ما قامت به الإمارات شأن يخصها أمام شعبها، تسبّب له في انتقادات عديدة.
وبعد فشل الجامعة العربية في اتخاذ قرار يدين التطبيع، وتساؤل التونسيين عن موقف بلادهم من ذلك، قالت وزارة الخارجية إن ذلك تم بطلب فلسطيني وتونس تطالب بإشراك الفلسطينيين في كل مبادرة، وهو ما وصفه الأمين العام للحزب الجمهوري، عصام الشابي، في بيان بـ"العار على تونس الثورة". وأضاف الشابي أن ذلك "يعني أننا وصلنا إلى مرحلة نستجدي فيها المطبّعين من الأنظمة العربية تشريك الفلسطينيين في كل بحث عن حل... متجاهلين أن الفلسطينيين انتزعوا قرارهم الوطني المستقل بتضحياتهم وأنهم أصحاب الحق الأصليون ولا يستجدون أحداً لتشريكهم في البحث عن حل لقضيتهم". ووصف بيان الخارجية التونسية بأنه "أقرب لتبرير خيبة اجتماع مجلس الجامعة العربية والدفاع عن الذين أفشلوا مشروع القرار الفلسطيني وتحميل السلطة الفلسطينية بدلاً عنهم مسؤولية ذلك".
يبقى السؤال، ما الذي لا تفهمه الدولة التونسية ومسؤولوها من ملف القضية الفلسطينية؟ وما هي درجة الغموض في هذا الأمر الذي لا يلتبس على أي مواطن تونسي، مهما كانت درجة ثقافته أو ظروفه الاجتماعية؟
النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين ذكّرت الجميع بأن تونس "لا تزال رسمياً في حالة حرب مع الكيان الصهيوني منذ العدوان على حمام الشط واستهداف قيادات ورموز المقاومة الفلسطينية، في استباحة كاملة لحرمة التراب التونسي وصولاً إلى اغتيال محمد الزواري"، وهذا يلخص كل الأمر ببساطة، فما الذي يستعصي على سياسيينا فهمه وهم يمسكون بالآلة الحاسبة يحسبون كلماتهم حتى لا تجرح أحداً!