الدار المغربيّة

الدار المغربيّة

01 ديسمبر 2014
+ الخط -
قام مثقفون وجامعيون مغاربة بتأسيس دار توبقال في الدار البيضاء عام 1985، وكان الهدف المعلن إعطاء المغرب "دارًا للنشر تستجيب للتحديث الثقافي"، وفي البال أيضًا كانت نِظرة إلى الوضع الثقافي تقول إنّه "بحاجة إلى فكرة جديدة عن الكتاب المغربي وعن المؤلّف والقارئ".

وارتكزت فكرة النشر الجديدة التي تبنّتها الدار على ثلاثة عناصر: المعرفة والإبداع والانفتاح. عناصر أطّرت المسيرة بعناوين بلغت خمسمائة عنوان من دون تلك التي أعيد طبعها. كانت سياسة الدار تتجه صوب التحرّر من البنية التقليدية للنشر، من خلال الإصرار على حرية الرأي والانفتاح على الذات وعلى الآخر في الوقت نفسه.

لذا انخرطتْ في الوضع المعرفي الكوني من زاوية إبيستيمولوجية، وذلك برصد المنعرجات والانقطاعات والتحوّلات المعرفية وإبراز دورها وتأثيرها في فهم الإنسان لنفسه ولما حوله، وهو ما مثّلته العناوين الأولى في مجالات؛ اللغة والفلسفة ونظرية الأدب وكتابة التاريخ. 

أدّت اختيارات الدار دورًا في إعطاء الثقة بالذات، والثقة بقدرة الثقافة العربية على الانفتاح على المعرفة الكونية، لذا اهتمّت اهتمامًا خاصًا بالترجمة لما لها من أهمية في تفعيل انفتاح المجتمعات وتبادل الأفكار واللغات. 

واهتمّت بالحوار مع كلّ الأطراف والهيئات الثقافية والمهنية في المغرب وفي العالم العربي. فساهمت في تقوّية البنية التحتية لإنتاج الكتاب بحلّة تتناسب مع نِظرة تحمل تأملًا إيجابيًا لمكانة الثقافة والمعرفة في المجتمع العربي. وهو ما يظهر من خلال أشكال متعددة من المبادرات في المغرب وخارجه. إذ لا مجال لاستسلام الفعل الثقافي للرؤية الضيقة التي تهيمن على أوضاع الدول العربية. 

الدار تعي الصعوبات والعوائق المحيطة بكلّ ما يمت بصلة للكتاب المطبوع، ففي البال أزمات ومآزق مثل: مكانة القراءة لدى العرب، الثورة الرقمية، والنشر الإلكتروني. مع ذلك تسلّحت الدار بالوعي في ضرورة الانخراط من دون تردّد في المعرفة المعاصرة والعمل على رفع قيمة الكتاب شكلًا ومضمونًا، أمرٌ وجد صدىً طيبًا، فاكتسبت الدار ثقة المؤلّف والمثقف والقارئ والباحث. هكذا بادرت الدار في مجال الإبداع إلى العناية بالديوان الشعري وجماليته، فصدر بحلّة جديدة ليستعيد مكانته في المناخ الثقافي، الأمر الذي ظهر في تصميم الأغلفة واختيار رسم الحروف ونوع الخطّ. 

واهتمامًا بإشاعة حبّ المعرفة وتبسيطها وتنويعها أصدرت الدار سلسلة جديدة عرفت إقبالًا واسعًا بعنوان "دفاتر فلسفية"، تتمحور حول موضوعات في الفكر والثقافة من خلال نصوص مختلفة لروّاد يعكسون وجهات نظر متناقضة، الأمر الذي يسمح للقارئ تكوين مواقف نقدية واسعة وواعية. 

وقد عملت الدار على إبراز دور الناشِر المميّز في سلسلة إنتاج الكتاب الثقافي، إذ كان دوره، وربما لايزال إلى الآن ـ للأسف ـ ملتبِسًا بوظيفة الطابع أو الموزع أو المكتبي، في حين تكمن طبيعته ووظيفته الأولى في فعله الثقافي، الذي يتجلّى في مخاطرته، بكلّ ما هو جديد وطريف ومفاجئ في المعرفة والإبداع. هي مخاطرة يتحمّل الناشر تبعاتها، إيجابًا وسلبًا، لأنه يستشرف المستقبل، ولا يركن إلى التكرار أو الاجترار أو المطلوب كما لو كان الكتابُ سلعةً تخضع لسوق العرض والطلب. تلك هي العناصر الموجهة لسياسة النشر، التي تفسّر ثقة القراء، وهذه الأخيرة بمنزلة روح الاستمرار وضمانته. 

وإذ تحتفل الدار بمرور ثلاثين عامًا على إنشائها عمّا قريب، فإنها تنظر إلى السنوات الخالية "لا بلذة الواصلين بل بعطش الراحلين"، فقد كان هاجس تداول الكتاب المغربي بمثابة المنزلة التي تطلّعت إليها الدار، ذات الانتشار المميّز في المشرق.


المساهمون