الخوف من عودة "يناير"

01 ديسمبر 2014

مئات المصريين يتظاهرون ضد براءة مبارك (30 نوفمبر/2014/الأناضول

+ الخط -

لم تكن تبرئة حسني مبارك مفاجئة لكثيرين من متابعي مخطط القضاء على ثورة يناير في مصر. بعض المتفائلين كان يتمنى أحكاماً ضد حبيب العادلي أو مساعديه لذرّ الرماد في العيون. لكن، جاء الحكم في قضية القرن بهذه البراءات الجماعية، ليشعل الحماس مجدداً في فئات كان حماسها قد فتر، وعزيمتها وَهنت، في مواجهة سلطة مستبدة وقوى سياسية متخاذلة وشعب أغلبه صامت. وهذا ما كانت تتحسب له السلطة في مصر، فحشدت قواتها واستنفرت أجهزتها، بحجة تظاهرات يوم 28، بينما السبب الحقيقي هو مواجهة ما بعد براءة مبارك. وهذا، بذاته، دليل إدراك أهمية وخطورة استيقاظ الأمة، مرة أخرى، على شعارات يناير.. "الشعب يريد إسقاط النظام"، ذلك الهتاف الوطني الجامع المانع، عاد مجدداً إلى الميدان، للمرة الأولى من ثلاث سنوات.
في أوج رفض بعض قطاعات الشعب حكم "الإخوان المسلمين"، كان الهتاف وقتها يسقط "حكم المرشد"، وليس "النظام". ربما كان ذلك بوعي، أو من غير وعي، بأن "المرشد" لم يكن جزءاً من النظام، وإنما دخيل متطفل عليه. ولا يرتبط هذا بحسن أو سوء إدارة الحكم وقتئذ. بدليل أنه، بعد عام ونصف من الهتاف ضد المرشد، عاد من جديد الهتاف ضد "النظام"، بل، وأيضاً، ضد "حكم العسكر" مجدداً. فقد كانت فترة حكم الإخوان "وقتاً مستقطعاً"، سرعان ما عادت السلطة الأصلية بعده في 3 يوليو. إذن، السلطة الحالية في مصر ليست منفصلة بحال عن نظام مبارك، ولم تكن يوماً ضده، أو حتى امتدادا له، وإنما هي جزء أصيل منه، بدليل عودة شخصياته وبقاء مؤسساته وتطبيق آلياته واستخدام وسائله وإدارة الحكم بعقلياته. فهي تتبع النهج المباركي نفسه، بالإمعان في قهر المصريين سياسياً، وإفقارهم اقتصادياً. ثم ها هي تقهرهم معنوياً، بتلك البراءات الوقحة في قضية القرن التي ظلت لأشهر طويلة بعد الثورة أيقونة للقصاص من ظلمة الشعب وقتلة المتظاهرين.
من حيث لا تدري، أثبتت سلطة 3 يوليو أن معركتها الحقيقية ليست سوى مع ثورة وثوار يناير، من خلال العنف الذي ارتكبته ضد رافضي الحكم على مبارك، والاستماتة في منعهم من العودة إلى ميدان التحرير. إنه الخوف من عودة يناير.. يناير الثورة والثوار.. يناير المطالب والأفكار.. يناير هو الشبح الذي طالما حاول نظام مبارك القضاء عليه وإنكار وجوده، فإذا به، ببراءة مبارك التي تنكره هذه السلطة، هي ذاتها تستحضره ليبعث من جديد.
العودة إلى الميدان، ولو لساعات، هي إحياء لروح يناير. فبراءة مبارك أيقظت الثوار إلى ضرورة تصحيح المسار، بعد تشتيت دام أكثر من ثلاث سنوات، بفعل فاعل. عودة هتافات يناير عودة إلى الأصل. تصحيح لمعادلة الصراع، فهو ليس مع إرهاب وﻻ إخوان وﻻ سلفيين وﻻ ليبراليين وﻻ عملاء وﻻ متآمرين.. الصراع بين حكم وشعب.. شعب مكون من كل هؤﻻء معاً، وحكم يريد استعبادهم جميعاً، لخدمته فقط. فمن يرضَ يَنَلْ صكّ الوطنية، ومن يرفض فهم الإرهابيون والإخوان والعملاء والمتآمرون. وبعد ثلاث سنوات من الوقيعة فيما بينهم، وشيطنة كل منهم أمام الشعب، بدا واضحاً لكل ذي عينين أن الشيطان ليس أياً منهم، إنها الحقيقة التي تكشّفت مجدداً.
فلتكن براءة مبارك فرصة لمراجعة النفس من كل الأطراف، وعلى ثوار وشركاء، بل وأدعياء، يناير، إدراك ما تقتضيه من ارتقاء إلى مستوى المسؤولية، بتبني المطالب الشعبية التوافقية، وليست النخبوية الإقصائية. الأهداف والشعارات الوطنية فقط، ومن دون غيرها، هي التي يجب أن تتصدّر أولويات الجميع بلا استثناء. وعندها، سيظهر الوجه الحقيقي لسلطة 3 يوليو، ليس من ثورة يناير كعنوان، فما أسهل نفاقه والتشدّق به، وإنما تجاه تطبيق مطالب المصريين في يناير.. حرية، عدالة، عيش وكرامة. 

58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.