27 نوفمبر 2023
الخوف من سائق توك توك
الخوف من سائق توك توك
خلال ساعات قليلة، حصل فيديو "سائق التوك توك" على ملايين المشاهدات وآلاف المشاركات على مواقع التواصل الاجتماعي. إنه الشاب المصري الذي ظهر على فضائية مصرية ثلاث دقائق، وجّه خلالها انتقادات لاذعة للأوضاع في مصر. ووجّه سهامه إلى طريقة إدارة الدولة، خصوصاً تجاهل الفقر والجهل والمرض وإقامة مشروعات تسمى قومية، وهي محدودة الجدوى فاقدة الأولوية، فضلاً عن عدم منطقية إقامة احتفالات تتكلف ملايين، فيما جُل المصريين يئنّون تحت وطأة غلاء فاحش.
لم يأت السائق الذي عرّف نفسه بـ"خريج التوك توك" بجديد عن الأوضاع في مصر، ولم يكشف أسراراً، أو يقدم تحليلاً مختلفاً. بل صيغت معظم انتقاداته في تساؤلاتٍ استنكارية، من دون إجابات واضحة، أو تفسيرات محدّدة صريحة. وعلى الرغم من ذلك، أثارت كلمات الرجل ضجة كبيرة وردود فعل متباينة على نطاق واسع. ليس فقط على مستوى وسائل التواصل، لكن أيضاً في الحوارات واللقاءات المباشرة بين فئاتٍ مختلفة من الشعب المصري، وهو ما لمسته في نقاشات مع مواطنين من شرائح اجتماعية متباينة.
المثير أن ردود الفعل على فيديو "خريج التوك توك"، خصوصاً الرافضة له المؤيدة للسلطة، بدأت من اتهامه بالانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين أو مأجور من جانبهم، ووصلت إلى أن الفيديو مُفتعل بواسطة جهاتٍ في الدولة. في نسخة جديدة مكرّرة من اتهاماتٍ مقولبة جاهزة، وجهت من قبل إلى كل صوتٍ معارض، أو محاولةٍ للنقد أو دعوة إلى تصحيح المسار. إما تخوين من المؤيدين، أو هي تمثيلية مفتعلة في نظر المعارضين.
تكرّرت تلك التفسيرات التقليدية مع كل حالات الاعتراض أو الانتقادات، وهي قليلة، بغض النظر عن صاحبها أو مصدرها. بما في ذلك أشخاص يصعب ربطهم بـ"الإخوان"، أو اتهامهم بأنهم مأجورون أو عملاء.
غاب عن بعضهم، وسط ضجة التعليقات على قصة التوك توك، أن الضجة نفسها دليل أهمية وتأثير. وأن ما قاله الرجل، عفواً أو عمداً، مَسّ أوتاراً حسّاسة لدى قطاع واسع من المصريين. قطاع لا يشمل فقط من احتفوا به من المعارضين، لكن أيضاً الذين رفضوه وهاجموه. فالحرص على تسفيهه، أو اتهامه، والطعن في دوافعه، ليس إلا انعكاساً لصدق (وواقعية) ما تناوله من تناقضات وثغرات في طريقة إدارة الدولة. فلو لم يكن لكلامه أصل وسند من الواقع، لما انبرى المُوالون للتشويش عليه، والتشكيك فيه.
المفارقة أن أعداداً من المصريين يصعب حصرها ليسوا معارضين ولا مؤيدين، وجدوا فيما قاله "خريج التوك توك" تعبيراً عما يشعرون به، فصار سائق التوك توك متحدثاً بلسان هؤلاء الصامتين، وهذا أخطر ما في القصة كلها، فمضمون ما قاله، والصدى الواسع الذي أحدثه، يجب أن يمثلا إشارة خطر وجرس إنذار لدى أهل السلطة. رسالة الرجل إلى من يريد أن يفهم أن الصمت لا يعني دائماً الرضا بالواقع، وأن التدهور المستمر في مختلف المجالات يُسأل عنه من يديرها مُخولاً مُخيراً، لا من يُقاد صامتاً مرغماً.
أما الاستمرار في العناد ورفض الانتقاد، حتى وإن كان من "خريج توك توك"، واعتباره مؤامرة، فهو مؤشر مُتلازمة مَرَضية فريدة من نوعها، فوبيا تجمع بين البارانويا والنرجسية. وهي حالة يتوهم المريض فيها أنه كامل الأوصاف، لا يخطئ ولا يسهو، ويفتتن بما يراه في نفسه من كمالٍ وجمال، فيرتاب في الجميع، ويرى في أي نقد يوَجَّه له اضطهاداً متعمداً. كانت تلك المُتلازمة وراء تسفيه عصام حجي وتخوين محمد البرادعي وطرد ليليان داود وإبعاد باسم يوسف ويسري فودة ومحمود سعد وعزة الحناوي، وهي نفسها التي قد تُخرس عمرو الليثي. تلك المُتلازمة التي أطاحت أولئك المشاهير، ها هي تتجسّد وتتأكد بالمكابرة أمام سائق "توك توك" والخوف من كلامه.
لم يأت السائق الذي عرّف نفسه بـ"خريج التوك توك" بجديد عن الأوضاع في مصر، ولم يكشف أسراراً، أو يقدم تحليلاً مختلفاً. بل صيغت معظم انتقاداته في تساؤلاتٍ استنكارية، من دون إجابات واضحة، أو تفسيرات محدّدة صريحة. وعلى الرغم من ذلك، أثارت كلمات الرجل ضجة كبيرة وردود فعل متباينة على نطاق واسع. ليس فقط على مستوى وسائل التواصل، لكن أيضاً في الحوارات واللقاءات المباشرة بين فئاتٍ مختلفة من الشعب المصري، وهو ما لمسته في نقاشات مع مواطنين من شرائح اجتماعية متباينة.
المثير أن ردود الفعل على فيديو "خريج التوك توك"، خصوصاً الرافضة له المؤيدة للسلطة، بدأت من اتهامه بالانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين أو مأجور من جانبهم، ووصلت إلى أن الفيديو مُفتعل بواسطة جهاتٍ في الدولة. في نسخة جديدة مكرّرة من اتهاماتٍ مقولبة جاهزة، وجهت من قبل إلى كل صوتٍ معارض، أو محاولةٍ للنقد أو دعوة إلى تصحيح المسار. إما تخوين من المؤيدين، أو هي تمثيلية مفتعلة في نظر المعارضين.
تكرّرت تلك التفسيرات التقليدية مع كل حالات الاعتراض أو الانتقادات، وهي قليلة، بغض النظر عن صاحبها أو مصدرها. بما في ذلك أشخاص يصعب ربطهم بـ"الإخوان"، أو اتهامهم بأنهم مأجورون أو عملاء.
غاب عن بعضهم، وسط ضجة التعليقات على قصة التوك توك، أن الضجة نفسها دليل أهمية وتأثير. وأن ما قاله الرجل، عفواً أو عمداً، مَسّ أوتاراً حسّاسة لدى قطاع واسع من المصريين. قطاع لا يشمل فقط من احتفوا به من المعارضين، لكن أيضاً الذين رفضوه وهاجموه. فالحرص على تسفيهه، أو اتهامه، والطعن في دوافعه، ليس إلا انعكاساً لصدق (وواقعية) ما تناوله من تناقضات وثغرات في طريقة إدارة الدولة. فلو لم يكن لكلامه أصل وسند من الواقع، لما انبرى المُوالون للتشويش عليه، والتشكيك فيه.
المفارقة أن أعداداً من المصريين يصعب حصرها ليسوا معارضين ولا مؤيدين، وجدوا فيما قاله "خريج التوك توك" تعبيراً عما يشعرون به، فصار سائق التوك توك متحدثاً بلسان هؤلاء الصامتين، وهذا أخطر ما في القصة كلها، فمضمون ما قاله، والصدى الواسع الذي أحدثه، يجب أن يمثلا إشارة خطر وجرس إنذار لدى أهل السلطة. رسالة الرجل إلى من يريد أن يفهم أن الصمت لا يعني دائماً الرضا بالواقع، وأن التدهور المستمر في مختلف المجالات يُسأل عنه من يديرها مُخولاً مُخيراً، لا من يُقاد صامتاً مرغماً.
أما الاستمرار في العناد ورفض الانتقاد، حتى وإن كان من "خريج توك توك"، واعتباره مؤامرة، فهو مؤشر مُتلازمة مَرَضية فريدة من نوعها، فوبيا تجمع بين البارانويا والنرجسية. وهي حالة يتوهم المريض فيها أنه كامل الأوصاف، لا يخطئ ولا يسهو، ويفتتن بما يراه في نفسه من كمالٍ وجمال، فيرتاب في الجميع، ويرى في أي نقد يوَجَّه له اضطهاداً متعمداً. كانت تلك المُتلازمة وراء تسفيه عصام حجي وتخوين محمد البرادعي وطرد ليليان داود وإبعاد باسم يوسف ويسري فودة ومحمود سعد وعزة الحناوي، وهي نفسها التي قد تُخرس عمرو الليثي. تلك المُتلازمة التي أطاحت أولئك المشاهير، ها هي تتجسّد وتتأكد بالمكابرة أمام سائق "توك توك" والخوف من كلامه.