الخلافات حول حزمة الإنقاذ تسبب خسائر كبيرة للاقتصاد الأميركي

ترامب يبدو مرهقاً في المؤتمر الصحافي بالبيت الأبيض
14 اغسطس 2020
+ الخط -

على عكس ما توقعه البعض من دخول الحزبين الجمهوري والديمقراطي في جولة مفاوضات حاسمة هذا الأسبوع بشأن حزمة إنقاذ الاقتصاد والمواطنين المنتظرة، بعد إصدار الرئيس الأميركي دونالد ترامب أوامر تنفيذية يوم الجمعة الماضي تغطي أغلب نقاط حزمة الإنقاذ التي لم يتم الاتفاق عليها، أوشك الأسبوع على الانتهاء، ولم تتم مناقشة أي بند، سواء مما أقره ترامب أو مما لم يتطرق إليه، الأمر الذي يهدد بخسائر كبيرة للاقتصاد، قبل نحو ثمانين يوماً من انتخابات الرئاسة. المقررة في الأسبوع الأول من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل. 

ويوم الأربعاء، رفضت نانسي بيلوسي، زعيمة الأغلبية الديمقراطية في مجلس النواب عرضاً من ستيفن منوشين وزير الخزانة باستئناف التفاوض، مؤكدةً أن حزبها "غير مستعد لذلك إلا لو أظهرت الإدارة الأميركية بعض الجدية في التعامل مع الأمر". وجاء رد بيلوسي العنيف بعد رفض الجمهوريين عرضاً من الديمقراطيين بتخفيض قيمة المبالغ التي اقترحوا تخصيصها في الحزمة القادمة بنحو تريليون دولار، لتكون في حدود 2 إلى 2.5 تريليون دولار. 

وبشأن استمرار العناد بين الطرفين، أكد منوشين أن بيلوسي هي التي تتعنت وتطلب الموافقة على مقترحاتها قبل استئناف التفاوض، مشيراً إلى إمكانية تمرير حزمة بقيمة "تزيد قليلاً عن تريليون دولار"، على أن يتم تخصيص أية مبالغ إضافية يكون هناك حاجة لها في وقت لاحق من هذا العام، أو مطلع العام القادم. 

وبعد تعثر الوصول إلى اتفاق خلال الأسابيع الماضية، تجاوز ترامب الكونغرس الأميركي، وأصدر أوامر تنفيذية تشمل تأجيل خصم ضرائب الأجور لمن تقل رواتبهم السنوية عن مائة ألف دولار حتى نهاية العام الحالي، واستمرار منح من لا يعملون، تعويضات بطالة استثنائية تضاف إلى تعويضات البطالة المعتادة، وإن قرر تخفيض المبلغ الإضافي ليصبح 400 دولار بدلاً من 600 كما كان خلال الشهور الخمسة الماضية، بالإضافة إلى تأجيل سداد قروض الدراسة وتوفير حماية من الطرد لمن لم يتمكنوا من دفع إيجارات مساكنهم. وأكد ترامب أنه قرر استخدام صلاحياته في هذا الأمر "حماية لمصالح الملايين من العمال الأميركيين بعد تمسك الديمقراطيين بمحاولات عرقلة إصدار القرار من الكونغرس". 

وفي حين توقع البعض لجوء الديمقراطيين للقضاء لإيقاف تنفيذ أوامر ترامب حتى يوافق عليها الكونغرس المخول بتوجيه أموال الحكومة الفيدرالية، أوشك الأسبوع على الانتهاء دون الإعلان عن دعاوى في هذا الخصوص، ربما خوفاً من استغلال ترامب للموقف خلال حملته الانتخابية، وإظهار الحزب الديمقراطي في صورة من يعطل وصول الإعانات للمواطنين. 

واعتبر جاريد برنشتاين، المستشار الاقتصادي لنائب الرئيس الأميركي السابق، ومرشح الرئاسة الديمقراطي الحالي جو بايدن، أن ما فعله ترامب حالياً يعد "إلغاء تاماً لقواعد الحوكمة، بعد أن رفض حزمة الديمقراطيين في مايو/ أيار، وامتنع حتى عن التظاهر بمناقشتها، قبل أن يقدم مقترحه بمدها مع تخفيضها، بعد توقفها نهاية الشهر الماضي"، واصفاً أوامر ترامب التنفيذية الأربعة التي وقعها يوم السبت بأنها "غير قانونية".

ويهدد استمرار التعنت من الطرفين ملايين الأميركيين الذين فقدوا وظائفهم، وتوقف حصولهم على تعويضات البطالة الاستثنائية منذ ثلاثة أسابيع، في وقت وصل فيه عدد المتعطلين لأكثر من 16 مليونا، يمثلون ما يقرب من 10% من قوة العمل الأميركية. لكن ترامب، الذي يبحث دائماً عن العناوين الرنانة بغض النظر عن المضمون، لا يبدو في عجلة من أمره للتوصل إلى اتفاق قبل نهاية الربع الحالي، في ظل الارتفاع الحالي في أسعار الأسهم في الأسواق الأميركية. 

ومثل تأجيل ترامب استقطاع ضرائب الأجور من العاملين حتى نهاية العام ضربة أخرى للشركات الصغيرة، التي مازالت تعاني من تبعات ظهور فيروس كورونا المستجد (كوفيد -19) في الولايات المتحدة قبل ما يقرب من ستة أشهر، والجهود التي استهدفت الحد من انتشاره، حيث عبر أصحاب بعض تلك الشركات عن مخاوفهم من التعرض لأزمات مالية عند اضطرارهم إلى سداد الضرائب المؤجلة وتعذر تحصيلها من العاملين. 

ورغم القروض الميسرة التي سمحت الحكومة الأميركية بتقديمها لها، لمساعدتها على الإبقاء على العمالة لديها، ومواجهة الانخفاضات الكبيرة في إيراداتها، تعرضت الشركات الصغيرة لمشاكل جمة خلال فترة الإغلاق الكبير، واضطر الآلاف منها للخروج من السوق التي تعمل فيها، إلا أن ندرة البيانات اللحظية المتاحة عن تلك الشركات، وقلة حجم مديونياتها في أغلب الأحوال، لم تجعل هذه التطورات السلبية تتصدر نشرات الأخبار خلال الفترة الماضية.

ويوم الثلاثاء، نقلت وكالة الأنباء بلومبيرغ عن موقع Yelp، المتخصص في متابعة محلات التجزئة والمطاعم، أن أكثر من 80 ألف شركة صغيرة أوقفت أعمالها بصورة نهائية خلال الفترة من أول مارس/ آذار الماضي وحتى 25 يوليو/ تموز الماضي. ووفقاً لمعهد الإفلاس الأميركي، أعلنت أكثر من 800 شركة أميركية صغيرة إفلاسها، طالبةً الحماية من الدائنين، خلال الفترة من منتصف فبراير/ شباط وحتى آخر الشهر الماضي. وتوقع المعهد ارتفاع عدد الشركات المفلسة العام الحالي بنسبة 36% مقارنة بعددها العام الماضي. 

ورغم صغر حجم تلك الشركات، إلا أن تأثيرها في الاقتصاد الأميركي لا يمكن إنكاره، حيث تشكل الشركات الصغيرة، التي يقل عدد العاملين في كل منها عن 500 عامل، ما يقرب من 44% من النشاط الاقتصادي الأميركي، وفقاً لإدارة "الأعمال الصغيرة" الأميركية، ويعمل بها ما يقرب من 60 مليون عامل، يمثلون أكثر من نصف العاملين في القطاع الخاص الأميركي. 

ويمتد الأثر السلبي لعدم التوافق على خطة إنفاق سريعة ليشمل العديد من الولايات الأميركية، التي أوشك بعضها أيضاً على إعلان إفلاسه. وخلال الربع الثاني الذي انتهى آخر شهر يونيو/ حزيران الماضي، خفضت الحكومات المحلية في الولايات الأميركية إنفاقها بمعدل سنوي يقدر بحوالي 5.6%، لتضطر إلى تسريح مئات العمال وتعطيل العديد من الخدمات، بسبب انخفاض حصيلة الضرائب لديها.

وتمثل الإعانات المقدمة من الحكومة الفيدرالية لحكومات الولايات نقطة خلاف أساسية بين الحزبين، حيث يدعمها بشدة الديمقراطيون، بينما يتحفظ عليها ترامب، خوفاً من استخدامها في إجراء المزيد من اختبارات الكشف عن الفيروس، وهو ما سيؤدي إلى ارتفاع أعداد المصابين، الذين تجاوزوا حتى الآن خمسة ملايين حالة في الولايات المتحدة. 

ويقدر مركز الأبحاث وتحليل البيانات موديز أناليتيكس Moody’s Analytics التابع لمؤسسة التقييم الائتماني، أنه بدون مساعدات فيدرالية إضافية، سيصل إجمالي العجز في ميزانيات حكومات الولايات المحلية إلى ما يقرب من 500 مليار دولار على مدار العامين الماليين المقبلين. وقال دان وايت، رئيس أبحاث السياسة المالية في موديز، إن ذلك سيخفض الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة بأكثر من ثلاث نقاط مئوية أي 3%، وسيؤدي إلى فقدان أكثر من 4 ملايين عامل وظيفتهم.

يذكر أن المؤشر "ستاندرد اند بورز 500" قفز يوم الأربعاء مقترباً من مستوى إقفاله القياسي المرتفع المسجل في فبراير/ شباط، وسط مكاسب واسعة النطاق بقيادة أسهم شركات التكنولوجيا. وتجاوز المؤشر أثناء الجلسة مستوى إغلاقه القياسي المرتفع 3386.15 نقطة المسجل في 19 فبراير/شباط، قبيل اندلاع أزمة فيروس كورونا في الولايات المتحدة والتي تسببت في أحد أشد الانهيارات في تاريخ سوق الأسهم الأميركية. 

وكانت الأسهم ذات الثقل مثل مايكروسوفت وأمازون. كوم وأبل من أبرز داعمي "ستاندرد اند بورز 500" في تعاملات الأربعاء. وصعد المؤشران ناسداك المجمع وداو جونز الصناعي بقوة أيضا. وكان ناسداك أول المؤشرات الرئيسية الثلاثة انتعاشاً وتسجيلاً لذرى غير مسبوقة في يونيو/حزيران. ومازال داو دون ذروة فبراير/شباط.

المساهمون