الخاسرون والرابحون من مصر المستقبل

الخاسرون والرابحون من مصر المستقبل

23 مارس 2015
الدعاية الزائفة تنفخ مؤتمر "مستقبل مصر" (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -
انتهى المؤتمر الاقتصادي الذي عقد تحت مسمى"مصر المستقبل". ورغم اختلاف التقييمات للمؤتمر ونتائجه، فإن معظمها انطلق من الأرضية نفسها. نقصد هنا أن زاوية التقييم ارتبطت وبنيت على أسس سياسية، معارضة كانت أم مؤيدة، حيث أهملت التحليل الاقتصادي لنتائج المؤتمر. كان المؤتمر بالنسبة لكل مؤيدي السلطة، بغض النظر عن توجههم نجاحاً ساحقاً بينما مثل للمعارضين إخفاقاً ومحاولة لتجميل وجه السلطة. 

غابت زوايا التقييم الموضوعي في الأغلب الأعم. وندرت التقييمات الاقتصادية للمؤتمر من جانب القوى السياسية التي أيدت بأغلبها المؤتمر وهللت له. حتى إن قوى اليسار لم تظهر موقفاً واضحاً بصدد المؤتمر. ولذا كان لا بد من التوقف عند غرض المؤتمر وأهدافه لكي نستطيع استيضاح الصورة بشكل أكبر.

فمن وجهة نظر السلطة، مثل المؤتمر نجاحاً سياسياً كبيراً، حيث استطاعت الدولة ومن خلال علاقتها الإقليمية، وبمساندة خليجية حشد عدد كبير من الدول والمؤسسات المالية ورجال الأعمال، فمثل المؤتمر ظاهرة سياسية ضخمة تحسب للنظام، واستطاع من خلالها تقديم نفسه للعالم بأنه يسعى للتعاون والشراكة مع رؤؤس الأموال، بخاصة من الخليج الذي يدعمه اقتصادياً وسياسياً. وكذلك استطاع النظام المصري التقرب إلى المؤسسات المالية الدولية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وأيضا استطاع مد الجسور لكثير من دول الاتحاد الأوروبي بل وأميركا وهنا يكمن النجاح السياسي للمؤتمر.

أما الحصاد الاقتصادي فقد تم الترويج له بصورة متفائلة الى أبعد الحدود، حيث صورت وسائل الإعلام المصرية أن الأزمة الاقتصادية فى طريقها إلى الانفكاك والحل، وأن أزمات البطالة والطاقة والركود فى الأسواق ستغادر مصر قريباً. هذه الدعائية تتسم بالخداع في أمرين: الأول أن معظم ما تم الإعلان عنه من أرقام لم يكن دقيقاً، وأغلبه عبارة عن اتفاقيات وبروتوكولات تعاون، وأن قيمة الدعم الذي حصلت علية مصر من هذا المؤتمر لم تتجاوز 17 مليار دولار، أغلبها ودائع سترد، أما ما تبقى من المبلغ المعلن عنه كحصاد مالي والمقدر 150 مليار دولار، فهو موزع ما بين عقود استثمارية ومذكرات تفاهم. أما الأمر الثاني، فيتعلق بجدوى هذه المنح والاستثمارات ووجهة صرفها.

هنا علينا أن نسال أنفسنا، ويسأل كل مؤيد للمؤتمر الاقتصادي، هل حلت المنح والقروض التي أخذتها مصر منذ سبعينيات القرن الماضي وحتى الآن، أزمة الاقتصاد المصري؟ هل لبت تلك المنح احتياجات مجتمعنا؟ لعل الدعم الذي وجهته دول الخليج لمصر بعد 30 يونيو/ حزيران، والذي قدر بـ 21 ملياراً مثال واضح على فشل التوجهات الاقتصادية. ولهذه الأسئلة أسئلة أخرى تشاركها أيضاً، هل سيدعم النظام بالأموال الجديدة أزمة القطاع العام؟ هل ستوجه تلك الأموال إلى دعم الإنتاج الزراعي، وحل أزمة الغذاء في مصر؟ نستطيع القول إن هذه الأموال سوف توجه إلى ما وجهت إليه من قبل، مساندة النظام ودعمه ودفعه نحو تبني سياسات أكثر انحيازاً إلى قوى الرأسمال المحلي والعالمي. ونستطيع القول أيضاً بأن هذه الأموال لن تعود على الفقراء بشيء.

لقد حسمت السلطة انحيازاتها الاجتماعية بهذا المؤتمر. أعلنت ما سمي بإستراتيجية مصر الاقتصادية والمعتمدة على جذب الاستثمارات. تلك الاستثمارات التي يقودها رجال أعمال لا يعنيهم في حقيقة الامر، حل أزمة البطالة أو سد احتياجات السوق بقدر اهتمامهم بتعظيم الربح. في النهاية، نحن أمام رجال سلطة جدد يعبرون عن ذات الطبقة الاجتماعية التي حكمت طوال عشرات السنين، وانتفض الشعب ضدها.

لذا لا يمكن أن يتحدد موقفهم بانحيازات مختلفة أو تطبيقهم خيارات اقتصادية جديدة، سوى تلك الخيارات التي تدعم رجال الأعمال ونهب الثروات، عن طريق تخصيص الأراضي وحماية الاحتكارات وحماية الفاسدين. وبات من الواضح، كلما أعطي النظام امتيازات وحوافز لطبقة رجال الأعمال يقوم في ذات الوقت برفع أسعار السلع والضرائب على القطاعات الشعبية. لذا هناك رابحون وخاسرون من المؤتمر الاقتصادي الذي يدور في فلك السياسات الاقتصادية التي يطبقها النظام المصري. هناك من نجح وربح من المؤتمر. وهناك من سيجنون نتائج هذا النجاح وهناك من سيتضررون منه.
باحث في الانثروبولوجيا الاجتماعية - جامعة القاهرة

إقرأ أيضا: القدرة الشرائية للمواطن الجزائري مهددة

دلالات

المساهمون