الحُبّ في يناير

الحُبّ في يناير

21 يناير 2019
+ الخط -
تراسلني صديقة بعد منتصف الليل. أكاد أغفو، لكنّ ذبذبات كلماتها تبدو حزينة. أسألها عمّا يحصل، تُخبرني عن أجمل قصّة حبّ عاشتها حتى الآن. ستة وعشرون عاماً وصلت بعدها لمن حلِمت به كلّ تلك السنين. عاشا أياماً تروي تفاصيلها بابتسامةٍ ودمعة، أستطيع الإحساس بهما من خلف شاشة الهاتف الذكي. تصل إلى خاتمة الأحداث بعدما تُسلسلها: انتهت القصّة، بقرارٍ منه، خوفاً ربّما. اعتادت الآن الفراق، لكنّ الأحلام بالحُبّ قاتلة.

**



منذ فترةٍ لم نلتقِ. في حانةٍ هادئةٍ ضوؤها شاعريّ في الحمرا، شربنا النبيذ، وبدأنا نُخبر بعضنا عمّا نعيشه في الفترة الأخيرة. بتردّد الخائف من أن يُنهي الكلام عن قصّة خياليّة يُريدها أن تستمرّ، تحكي صديقتي (الأخرى) عن شابٍ قابلته أخيراً. كيف بدأت القصة، وأين أخذهما الحديث، ولماذا حدثت القِبلة الأولى. كانت سعيدةً رغم عدم اعترافها بذلك. عيناها ملأتهما فرحةُ البدايات.

أمس، نشرت صديقتي صورةً تُشير بطريقةٍ أو بأخرى إلى أزمةٍ عكّرت بريق تلك القصّة.

**

سيأتي إلى بيروت. منذ مدّة لم يلتقيا، لكنّهما ظلّا على اتّصال بعد انتهاء العلاقة. شغفُ حبّ ممنوعٍ ملأها. يحصل اللقاء. تعود المشاعر لتتكدّس، أو كما تقول أم كلثوم "بعد ما صدّقت إنّي قدرت أنسى". تتبع مشاعرها، تعيش ساعاتٍ من الغرام، ثم يُرخي الواقع بظلاله عليهما. يرجع كلّ شيء كما كان، ويبقى الندم، والأحلام.

**

أتجوّلُ من تطبيقٍ إلى آخر. أبحثُ عمّا يُخبرني عنك. ماذا تفعل وكيف هي أحوالك؟ أُعيد تمحيص صورٍ ومنشوراتٍ سابقة كنتُ قد حفظتها أصلاً. لا خبر منك.

يتملّك لياليَّ الأرق، يحتلّها. أنام لساعة ثمّ أستيقظ لأخرى. أتفقّد الجانب الآخر من السرير، لستَ هنا. أمسِك هاتفي، لم ترسِل لي أيضاً. ينتابني القلق. تُسيطر الأفكار السوداء على رأسي. ثم تأتي نوبات الهلع لأبدأ يومي بخوفٍ أكبر. لستَ هنا أيضاً.

أغادر إلى عملي، في الشوارع وأبراج الباطون ومساحات الشجر النادرة، أراك. تحتلّ المساحة الأكبر من أفكاري، فأغضب. لن أُفكّر في مَن لا يُفكّر بي، أقول لنفسي. ثم تعودُ لتتسلّل إلى خلاياي الدماغيّة من زاوية أخرى.

**

يحملُ يناير أملاً وأسى. فيه، تبدأ الثورات وتنتصر، قبل أن تُهزم مجدداً. فيه، يبدأ الحُبّ، ثمّ يختفي. يبدأ باحتفالات لا تكاد تنتهي لياليها، حتّى يخنقك وجع نهارات ما يتبقّى منه من أيام.

يُشبه يناير بحثنا الدائم عن الحبّ، وخيبتنا اليوميّة فيه.
12B88EE2-75E5-406E-B023-C3D7E731D57D
دجى داود

صحافية لبنانية، مهتمة برصد الإعلام ومواقع التواصل، وقضايا حقوق الإنسان وحرياته. عملت في وسائل إعلام لبنانية منذ العام 2011. انضمّت لأسرة "العربي الجديد" في مارس 2014."ثوري وارقصي تمرّداً"

مدونات أخرى