الحياد الاقتصادي يخنق الثورات

الحياد الاقتصادي يخنق الثورات

03 يونيو 2014
(أمين الأندلسي/وكالة الاناضول/GETTY)
+ الخط -

يتخرج الطلاب من كليات الإعلام والصحافة في العالم العربي، وفي أذنهم عبارة واحدة: "الصحافي يجب أن يكون محايداً". تتلقف وسائل الإعلام العربية هؤلاء الطلاب، وأول ما يسمعونه: "يجب التزام الحياد"... في النتيجة، تتحول الأحداث إلى أخبار تشبه الجثث، لا روح فيها ولا موقف.

يصل الوزير أو النائب العربي إلى كرسيّه، يتربع على عرش سلطته، يعلن أنه مع الجميع، مع صاحب العمل والعامل، مع مواطنيه وتعليمات صندوق النقد الدولي، مع رفاهية المجتمع والتقشف، مع الشفافية والموازنة غير المعلنة، مع الفقراء وخفض الضرائب على الأثرياء... يصفق الجميع للوزير العربي "المحايد"، ويستمرّ الأخير في منصبه كآلة بلا قلب.

أرغفة الخبز التي حُملت في الشوارع العربية شكلت صفعة على وجه كل من يلتزم الحياد في قضايا المواطن. شعوب قضت عمرها تحت نير أنظمة القتل، لم تقرأ يوماً خبراً يعلن انحيازه لمصالحها إلا وأصبح كاتبه في السجن قبل أن يُنشر مقاله، أو في معرض تشكيك السلطات.
لم تعرف يوماً مسؤولاً يتحدى نفسه والوسائط التي أوصلته إلى السلطة، ليعلن أنه يرفض نهب شعبه وسرقة مقدراته، يعلن أنه مع تحقيق العدالة التي لا يمكن أن تعمّ بلا انحياز إلى من هو أضعف ليصل إلى مستوى من هو أقوى.

هذه الأرغفة، كان لها صوتٌ مدوٍّ. صوتٌ كاد يفجّر آذان العالم ومؤسساته الدولية، وها هو يخفت يوماً بعد يوم، تحت ضربات تفتيت منبع الثورات العربية الاجتماعي والاقتصادي، وتحت صراخ أدلجة وجع الناس وتعليبه.

الحياد تجاه قضايا الناس يصنع السلطة، هذا ما تقوله معظم الجامعات العربية، هذا ما يؤكده الطامحون إلى السلطة. لكن للأرغفة صوتاً، حتى لو خفت اليوم، سيعود ليرتفع غداً، لعل أحداً يسمع، فيلقي حياده السلبي جانباً، ويعلن أن الفقر ليس قدراً، وأن الفقراء ليسوا خطراً، وأن لا ثورة يمكن أن تكتمل من دون النظر إلى معيشة الناس وهمومهم وموتهم اليومي، وأن أي حزب سيحترق فوق جمر الثورات، إذا كان ينظر إلى الناس من فوق، يُسقط عليهم أفكاره، ويرقص على همومهم بوعود هو أول من يعرف أنه لن يحققها.

المساهمون