الحوثيون من الجوف إلى مأرب

الحوثيون من الجوف إلى مأرب

05 مارس 2020
+ الخط -
فصول دامية لمسرحية هزيلة الحبكة، يقودها التحالف السعودي الإماراتي في اليمن، تحت مسمّى "عاصفة الحزم لدعم الشرعية"، منذ انطلاقها صبيحة 26 مارس/ آذار 2015؛ فبعد شهر واحد من سيطرة الحوثيين على منطقة نِهْم، الواقعة شمال شرقي العاصمة صنعاء، ها هم يسيطرون على مديريتي الحزم والغَيْل، في محافظة الجوف المجاورة، أمام خذلان التحالف، وعجز الحكومة الشرعية عن القيام بواجبها في دعم قواتها بالمقاتلين، والعتاد، ومختلف أشكال الدعم اللوجستي.
مع ظهيرة اليوم الأول من مارس 2020؛ كانت الأسئلة الأكثر طرحاً في اليمن: ما أسباب سقوط مديريتي الحزم والغيل؟ ولماذا تخاذل التحالف في الحؤول دون وقوع ذلك؟ وإلى أين تتجه أنظار الحوثيين؟ كعادتها، وأمام كل انكسار ميداني، تتبادل أطراف التحالف والشرعية التهم بشأن ما جرى، مع ما يثيره محايدون بشأن وجود اختلالات في القيادة والسيطرة، والجاهزية القتالية في صفوف الجيش الوطني، وتأثير الطبيعة شبه الصحراوية لأرض المعركة في الصمود أمام مقاتلي الحوثيين الذين يتفوقون عدداً وعتاداً، وتخطيطاً، وتنظيماً، وقيادة، فضلاً عن الفساد في قيادة قوات الجيش، وقد أنتج جيشاً متضخماً في كشوف المرتبات، فيما واقع الميدان لا يعكس ذلك.
عملياتياً، أحجم التحالف العربي عن القيام بأي عملية إسناد جوي، منذ أسقط الحوثيون طائرة تورنيدو تابعة للقوات السعوية، في مديرية المصلوب في محافظة الجوف، في منتصف فبراير/شباط الفائت، على الرغم من شنه هجمات عدة على مرابض مفترضة لبطاريات صواريخ باليستية في العاصمة صنعاء، ولا يبدو ذلك نتيجة سقوط تلك الطائرة فحسب، بل لحساباتٍ أخرى تقضي بألا تحرز القوات في الجوف أي تقدّم في مسرح عملياتها؛ لأن ذلك سيضاعف من رصيد أطرافٍ سياسيةٍ لا يقل عداء التحالف لها عن عدائه للحوثيين.
ومن عجبٍ أن القوات المنتشرة في مختلف جبهات الجوف لا تتبع قيادة وزارة الدفاع ورئاسة
 هيئة الأركان العامة في الحكومة الشرعية، بل قيادة القوات المشتركة في نجران التي يقودها الأمير فهد بن تركي بن عبد العزيز، شأن معظم، وليس كل، القوات المتمركزة في جبهات الحدود البرية بين اليمن والسعودية، في محافظتي صعدة وحجة؛ الأمر الذي يثير التساؤل بشأن الإحجام عن دعم هذه القوات، بالمقاتلين، والأسلحة، والذخائر اللازمة، ما دامت خاضعة لقيادة سعودية؟!
لقد بات الحوثيون يتحدثون، بكل ثقة، بأنهم لن يصوموا رمضان إلا في مأرب؛ حيث حقول النفط، والغاز، ومركز تجمع بعض هيئات الحكومة الشرعية، والمعقل الأول للمقاومة الوطنية، الذي لم يتمكنوا منه، منذ انقلابهم على السلطة، في 21 سبتمبر/ أيلول 2014. وأمام هذه النيات، تستعد القوات في مأرب لدعم القوات المتقهقرة من الجوف؛ لشن هجوم معاكس، تستعيد من خلاله المناطق التي خسرتها، وقد يهاجم الحوثيون جبهة صرواح في محاولة للتقدّم باتجاه مأرب، وتشتيت قوات الحكومة في جبهاتها، بالتنسيق مع المجلس الانتقالي (الجنوبي) المدعوم إماراتياً، والذي لن يتردّد في محاولة السيطرة على شبوة، لا سيما أن ثمّة نوايا لإثارة الفوضى في مركزها (عتق)؛ بناء على بيانٍ أصدرته قيادة المجلس الانتقالي في المدينة مطلع شهر مارس/آذار الحالي.
كان هذا السيناريو حاضراً مطلع يناير/كانون الثاني الماضي، حينما حاول المجلس الانتقالي (الجنوبي) إثارة الفوضى في مدينة عتق، تمهيداً لاستعادة السيطرة عليها، وإسقاطها من الداخل، لكن سرعان ما أخمدتها القوات الحكومية، في وقتٍ كانت قوات الحوثيين تحاول اختراق جبهات صرواح ونهم، للوصول إلى مأرب. أما هذه المرّة فتبدو العملية عكسية؛ فبعد أن باتت معظم مناطق الجوف في قبضة الحوثيين، وانشغال القوات الحكومية بمحاولة استعادتها، فإن المجلس الانتقالي سيعاود محاولته للسيطرة على شبوة.
إن لم نكن أمام الفصل الأخير من العبث الذي يقوده التحالف العربي، منذ مارس 2015، فإننا أمام ترتيبٍ جديدٍ يُدفع فيه بقوى سياسية مع أذرعها المسلحة إلى واجهة المشهد، وتُجبر فيه قوى أخرى على التراجع، وقد بدت علامات ذلك، في القرار الذي أصدره الرئيس عبد ربه منصور هادي، تعيين الفريق صغير حمود عزيز، رئيساً لهيئة الأركان العامة، على الرغم من أنه أحد المناوئين لاحتجاجات فبراير 2011، لكنه من أشد خصوم الحوثيين؛ حيث سبق أن واجههم خلال ما تعرف بحروب صعدة الست.