لا أحد يجادل حول حق أوروبا في انتهاج سياسة هجرة تناسب مجتمعاتها. بيد أن ما يثير مخاوف بعض صحافتها ومؤسساتها الحقوقية أن نهج التحلل من القيم والأسس الذي تتبعه دول أوروبية ستكون له انعكاسات سلبية على علاقة الجار الأوروبي مع جيل عربي هو اليوم أكثر وعياً بنتائج سياسة النفاق الغربي على واقعه ومستقبله.
وعلى الرغم من تقارير الأمم المتحدة بمسؤولية نظام الأسد عن الكارثة من قتل بالكيميائي وتحت التعذيب وتدمير المدن وتهجير الملايين، إلا أن التحلل من قرارها 2254 عن شرط العملية الانتقالية قبل المساهمة بإعادة الإعمار، يدفع بدول أوروبية للانفتاح على الجلاد.
وفي السياق نقلت "فورين بوليسي" عن دبلوماسي إيطالي أن ساسة بلده، الشعبويين، وغيرهم في القارة، يسعون لرفع العقوبات عن 270 شخصية من نواة نظام دمشق، كتوطئة على ما يبدو، وباعتراف الدبلوماسي نفسه، لتمرير عقود الشركات الغربية.
في ظل الانهيار القيمي الأوروبي يصبح موضوعا اللاجئين من جهة، و"الخدمات الأمنية" التي يجيد نظام الأسد دوماً تقديمها بافتعال الجريمة ثم التقدم لحل ألغازها وتفكيك عناصرها التي ترعرعت في حجره من جهة ثانية، حجة للقول إن "الحل على الطاولة... الأسد هو الحل". وكأننا أمام استعادة تمرير الجريمة بتسليم سلاحها، كما في أعقاب مذابح القتل بالكيميائي في 2013.
والآن أيضاً يتضح، بعيداً عن شعارات "المؤامرة الكونية"، مقصد استثمار "نظام الممانعة العروبي" في علاقته بقوى غربية متطرفة وفاشية لا تكن وداً للعرب، ولوبيات ضغط صهيونية، منذ أيام سفير النظام في واشنطن، عماد مصطفى، لتحتفي وسائل إعلامه وتوابعها بزيارات شخوصها وموظفي درجة ثالثة لشرعنة الجرائم.
ما هو مؤسف أنه في الوقت الذي تظهر تحذيرات أوروبية من الإصرار على اختلال العلاقة القهرية مع الجيل العربي الشاب، نتيجة دعم وتعزيز الاستبداد، فإنه في دولنا، وبعضها يبشّر بالحرية والعدالة، يوجد صمت عن مشهد أوروبي، وعربي رسمي، مخزٍ ووقح في إصراره على تحويل الاستبداد قدراً ثابتاً للأجيال العربية... وتلك مخاطرة مستقبلية.