الحكومة تخيّر المصريين: رفع تذاكر القطارات أو الموت

الحكومة تخيّر المصريين: رفع تذاكر القطارات أو الموت

12 اغسطس 2017
تصادم القطارات في مصر (العربي الجديد)
+ الخط -
استيقظ المصريون على حادث قطار جديد أودى بحياة العشرات بالإضافة إلى إصابة أكثر من 100 بعضهم إصابته خطيرة، وبدلاً من محاسبة المقصرين وفتح ملفات الفساد والخسائر في قطاع السكك الحديدية وطمأنة الناس استغلت الحكومة حادث تصادم قطارين بالإسكندرية، أول من أمس، لتصدم المواطنين بالحديث عن رفع أسعار التذاكر. 
وما يفاقم من الأزمة هو أن القطارات هي الوسيلة الأرخص التي يستخدمها ملايين الفقراء ومحدودي الدخل يومياً، والذين أصبحوا مهدّدين بالدهس عبر رفع أسعار التذاكر أو الموت في ظل زيادة الحوادث بشكل كبير خلال الفترة الأخيرة.
ومع تفاقم حوادث القطارات يتحول المسؤولون في كل مرة إلى الحديث عن ضعف الميزانية المخصصة للسكك الحديدية مع التغطية على جرائم الإهمال والفساد، والتبريرات جاهزة: قلة الصيانة وضعف إمكانات هيئة السكك الحديدية وغرقها في الديون، حسب خبراء اقتصاد ومتخصصين في النقل لـ"العربي الجديد".

زيادة أسعار التذاكر
وقال مسؤول حكومي بوزارة المالية المصرية، لـ"العربي الجديد" إن "الحل في تحسين خدمة النقل للوسيلة الأكثر تفضيلا بين جموع المواطنين، وبالتالي زيادة أسعار التذاكر مع استمرار دعم القطارات العادية التي يرتادها الموظفون والغلابة، بالإضافة إلى دعم اشتراكات الطلبة"، مبرراً هذه الخطوة بزيادة الموارد لهيئة السكك الحديدية.
وتابع المسؤول: أن زيادة أسعار التذاكر أصبح لا مفر منه بسبب اتساع الفجوة بين الإيرادات والمصروفات الأمر الذي يحد من إمكانية التطوير والصيانة المستمرة وتركيب إشارات إلكترونية.
وأكد المسؤول، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن هيئة السكك الحديدية تتقاعس في تقديم خطة للتطوير المالي والإداري مقبولة التنفيذ معتمدة على تغطية وزارة المالية وبنك الاستثمار القومي للعجز بالإضافة إلى الحصول على السولار من هيئة البترول مدعوما.
وأشار إلى المطالبة أكثر من مرة بتقديم خطة لإدارة الأصول من الهيئات الاقتصادية الثماني والأربعين من بينها هيئة السكك الحديدية، إلا أن المحصلة صفر رغم امتلاكها عددا كبيراً من الأصول يمكن استغلاله سواء استثمارياً أو في توسيع المزلقانات (المعابر) وتأجير المساحات المتاخمة للمحطات لإنشاء مولات تجارية.

تبادل الاتهامات
وفي إطار تبادل الاتهامات بين الجهات الحكومية، خرج رئيس هيئة السكك الحديدية، مدحت شوشة، أمس، ليؤكد في تصريحات صحافية أن الميزانية محدودة وأن الهيئة تقوم بجهد كبير لصيانة العربات والمزلقانات في ضوء الإمكانات المحدودة.
وحسب تقارير رسمية، سجلت خسائر هيئة السكك الحديدية 8.1 مليارات جنيه (نحو 453 مليون دولار) العام الماضي، وتمول الهيئة احتياجاتها من القروض بنسبة 28.1% بالإضافة إلى تمويلات بنك الاستثمار القومي الحكومي بنسبة 5.3%
وكانت هيئة السكك الحديدية قد رفعت أسعار تذاكر قطارات الـVIP العام الماضي بنسبة كبيرة كما تم زيادة أسعار الاشتراكات والقطارات المكيفة.
ويرى محللون أن زيادة أسعار الخدمات الجماهيرية سيرفع التضخم ولن يحل المشكلة، وقال الخبير الاقتصادي وائل النحاس لـ"العربي الجديد" إن قرارات زيادات الأسعار غير مدروسة وتتسبب في ارتفاع معدلات التضخم وبالتالي غلاء المعيشة، وطالب في اتصال هاتفي بالإبقاء على الدعم وعدم المساس به قبل البدء في إصلاح أوعية أخرى منها السياحة والاستثمارات والقطاعات الإنتاجية. وحسب إحصائيات رسمية وصل التضخم إلى أعلى مستوى للتضخم في المدن منذ يونيو/حزيران 1986 عندما بلغ 35.1% في يونيو/حزيران الماضي.

ضعف المحليات والديون
ومن جانبه يرى رئيس هيئة السكك الحديدية الأسبق، سمير نوار، أن السبب في كثرة وقوع الحوادث على الطرق ليس هيئة السكك الحديد وحدها، وإنما ضعف المحليات وحالات السرقة للإشارات وأبراج المراقبة وغيرها من العوائق التي كانت ومازالت عاملا مهماً في وقوع حوادث القطارات.
وأضاف نوار لـ"العربي الجديد" أن الهيئة تعمل وسط محدودية الموارد وزيادة الأعباء وتخدم آلاف المواطنين يوميا بأسعار أقل بكثير من التكلفة، والهيئة لديها أعباء مالية تجاه الموظفين والصيانة ومنظومة الأمن والسلامة.
وأكد أن عدم الالتزام بقواعد المرور وتخطي المزلقانات رغم وجود تنبيه بقدوم القطارات أحد أهم الأسباب خاصة في المزلقانات الفرعية، مشيراً إلى أن الهيئة لديها خطط للتطوير تشمل استحداث عربات جديدة وتطوير المزلقانات وورش الصيانة، تم جزء منها وما زال الباقي رهن المخصصات المالية المتاحة من قبل وزارة المالية.
ومن جانبه أوضح رئيس هيئة السكك الحديدية السابق محمود سامي، لـ"العربي الجديد" أن العامل البشري عليه مسؤولية كبيرة في حوادث الطرق سواء من السائقين أو من المواطنين. وقال سامي إن معظم عربات القطارات والجرارات مزودة بالنظم الحديثة، إلا أن بعض السائقين يجهلون أو يتهاونون في استخدام تلك التقنيات حيث تم استيراد عربات بها هذه التكنولوجيا أو تم تركيبها من خلال منح أجنبية حصلت عليها الهيئة.
وتكشف الإحصاءات الرسمية أن الحوادث على مزلقانات السكك الحديدية تمثل أكثر من 50% من إجمالي جميع حوادث القطارات نظراً لكثافة عددها وما تمثله من نقاط اتصال ضرورية لخدمة المواطنين والمركبات بجميع أنواعها وأهميتها بالنسبة لخدمة مصالحهم وأغراض حياتهم اليومية.


عقبات خطة التطوير
وفي الوقت الذي أكد فيه محللون أن الفساد والإهمال وراء تدهور أوضاع السكك الحديدية، تسعى الحكومة إلى وضع خطط لتطوير هذا المرفق المهم. وقال مسؤول بوزارة النقل المصرية، لـ"العربي الجديد" إن مرفق السكك الحديدية له حظ وافر من خطة الدولة الاقتصادية للعام المالي الحالي من خلال تطوير نحو 10 كيلومترات طرق وتحديث المزلقانات وشراء العربات الجديدة بدلا من المتهالكة تقليلا لإمكانية وقوع حوادث.
وتابع المسؤول، الذي رفض ذكر اسمه، أن وزارته طالبت برفع مخصصات الهيئة إلى 5.7 مليارات جنيه (الدولار = 17.90 جنيها) بدلا من 4 مليارات جنيه، الا أن الحكومة رفضت ذلك، ما يعدّ عقبة أمام عمليات التطوير.
وتشمل الخطة الاستثمارية لهيئة السكك الحديدية للعام المالي الحالي تطوير وتحسين 78 محطة سكك حديدية من أصل 135 محطة بهدف رفع كفاءتها على مستوى المحافظات. وتعاقدت الهيئة مع وزارة الإنتاج الحربي لتطوير المحطات وتأهيل الأرصفة والأسوار إلى جانب تركيب خطوط حريق ومياه، كما تشمل تطوير 185 مزلقاناً من خلال تحويل عملها من النظام اليدوي إلى الإلكتروني بهدف الحد من حوادث السيارات.

المساهمون