الحكومة التونسية.. تحديات هشاشة المعارضة وصعوبات الأمن والاقتصاد

الحكومة التونسية.. تحديات هشاشة المعارضة وصعوبات الأمن والاقتصاد

20 سبتمبر 2016

الشاهد وحكومته في البرلمان.. تحديات عديدة؟ ( 26/8/2016/فرانس برس)

+ الخط -
يُفترض في حكومة الوحدة الوطنية الوليدة في تونس، برئاسة يوسف الشاهد، أن تمارس مهامها إلى حدود نهاية سنة 2019، موعد تنظيم الانتخابات الرئاسية والتشريعية المقبلة. وهي معنيةٌ بنقل البلاد عملياً من مرحلة الانتقال الديمقراطي والتعاقب الحكومي إلى مرحلة المجتمع المؤسساتي المستقر والتنمية الشاملة المفيدة للمجموعة الوطنية. ويرى جُلّ التونسيين هذه الحكومة مسؤولةً على مآلات المسار الديمقراطي والعدالة الانتقالية من ناحية، ومطالبة، من ناحية أخرى، بحل عدة ملفات، ورفع عدة تحدّيات يواجهها الاجتماع التونسي في السنة السادسة بعد الثورة. والواقع أن التحديات التي تواجه حكومة يوسف الشاهد متنوعة، سياسية واقتصادية وأمنية.

التحديات السياسية

يكمن التحدي السياسي الأبرز الذي يواجه حكومة الوحدة الوطنية في المحافظة على الهوية الوفاقية لهذه الحكومة الناشئة، ذلك أن انتماء وزراء إلى أحزاب سياسية مختلفة (ليبراليون، يساريون، إسلاميون، قوميون...) ذات برامج وخلفيات أيديولوجية متباينة، بل متناقضة في بعض الأحيان، قد ينذر بتفكّك الجسم الحكومي، وقد يؤدي إلى صراعٍ بين فرقاء الأمس وحلفاء اليوم بشأن مسائل خلافية شائكة، من قبيل مشروع المصالحة الوطنية، ومسار العدالة الانتقالية، والمديونية، ومعضلة العائدين من بؤر التوتّر. ومن ثمّة، فإن فرض الانضباط الداخلي وترسيخ ثقافة التضامن الحكومي بين أعضاء الفريق الوزاري يبقى من بين الصعوبات التي تواجه رئيس الحكومة يوسف الشاهد. ومن ثمّ، فإن المحافظة على التوافق أمر مهم في مسيرة حكومة الوحدة الوطنية، وقد يؤثر على استمرار الائتلاف من عدمه. لذلك، يفترض أن يعمل رئيس الحكومة على تجاوز منطق المحاصصة الحزبية والخلفيات الأيديولوجية، وأن يسعى إلى تحويل المقترحات والطاقات الحزبية وغير الحزبية إلى إستراتجية وطنية حكومية جامعة وموحّدة، تأخذ في الاعتبار معايير الكفاءة والنجاعة، ومراعاة الصالح العام، لا المصالح الحزبية أو الفئوية الضيقة.
وفضلا عما تقدم، هشاشة المعارضة وعدم اقتناع بعض مكوناتها بجدوى الشرعية التوافقية، وحكمها بالفشل على حكومة الوحدة الوطنية قبل أن تباشر أعمالها، من بين التحديات السياسية التي تواجه حكومة يوسف الشاهد، ذلك أن المعارضة، إذا كانت إقصائية، ولم تبادر إلى تقديم مقترحات تغييرية بناءة ومسؤولة، وانصرفت إلى التحريض، وتحريك الشارع، وتكثيف الاعتصامات والإضرابات، فإنها ستؤثر سلباً على مسار عمل الحكومة، وعلى سيرورة الشأن العام في البلاد، خصوصاً أن أطرافاً سياسيةً معارضة، في مقدمتها الجبهة الشعبية، هي متنفذة داخل النقابات المهنية والمنظمات الأهلية. كما تبقى استعادة هيبة الدولة وإعادة الاعتبار إلى مؤسساتها السيادية وسلطتها التنفيذية، بما هي جهاز ضامن للحقوق والواجبات، وحارس للحريات تحدياً حقيقياً يواجه حكومة الشاهد.

التحديات الأمنية
ما زال خطر الجماعات الإرهابية والجريمة المنظمة يُهدّد السلم الاجتماعي، والتجربة الديمقراطية في تونس، ويُربك الأداء السياسي والاقتصادي للحكومات الانتقالية التي شهدتها البلاد بعد الثورة. ويعتبر ضمان استتباب الأمن من أسباب الاستقرار الداخلي، ومن لوازم استعادة سوق الاستثمار الخارجي في تونس. ولذلك، من أولويات حكومة يوسف الشاهد توفير المناخ الأمني المناسب، حتى يستعيد المواطن ثقته في الدولة، وحتى يعود الرأسمال الهارب إلى تونس. ومن المهم، في هذا المجال، تطوير المؤسسة الأمنية، وتحديث أدواتها الفنية والاستخباراتية، حتى تتمكّن من استشعار الخطر الإرهابي قبل حدوثه، وتتمكّن من التحرّك اللازم في الوقت المناسب لحماية الممتلكات العامة والخاصة. وتحتاج تونس موارد مالية مهمة، ودعماً دولياً كبيراً لحماية حدود البلاد مع الدول المجاورة، لمنع تدفق السلاح من القطر الليبي، والحد من حركة الجماعات المتطرّفة، ومواجهة التهديد القادم من مرتفعات جبال الشعانبي وسمامة ومغيلة، ومن المنافذ الحدودية مع ليبيا والجزائر. ومن الضروري رسم إستراتيجية أمنية/ ثقافية للتوقّي من الإرهاب، وللحد من انتشار ثقافة التطرف. وذلك بنشر ثقافة الاعتدال والوسطية والتسامح، وإعادة إدماج ضحايا الجماعات المتشدّدة في المجتمع، والإحاطة بهم نفسياً واجتماعياً وسلوكياً، بدل إقصائهم، مع العمل على إعادة بناء فهمهم للدين وللأنا والآخر. ومن المهم أيضاً تطوير العلاقة بين رجل الأمن والمواطن، والتأسيس لعلاقة حضاريةٍ بين الطرفين، تقوم على التواصل والاحترام والتعاون بدل التنافر والتنابذ والتشفي، وذلك تحقيقا للصالح العام.

التحديات الاقتصادية

تعاني تونس من اقتصادٍ هش، أفسدته السياسات التنموية الخاطئة زمن الديكتاتورية واستنزفته مطامع الأسرة الحاكمة زمن حكم زين العابدين بن علي، وأرهقته الهزّات الاحتجاجية (الاعتصامات –الإضرابات- أعمال عنف) والمطلبية الزائدة بعد الثورة. وتواجه حكومة الوحدة الوطنية وضعاً اقتصادياً يبعث على الانشغال، فمع أن نسبة البطالة تقلصت نسبياً من 17.2% سنة 2013 إلى 15.6 % مع منتصف سنة 2016، فإن معدل البطالة في صفوف خريجي الجامعات ما زال مرتفعاً. كما أن عجز الميزان التجاري بلغ مستوىً قياسياً خلال سنة 2016، ما جعل نسبة النموّ لا تتجاوز معدّل 1.5٪، وذلك لتزايد نفقات الدولة، وتراجع مداخيلها، ما نتج عنه وقوعها في شرك الاقتراض المكثّف وارتهانها للصناديق النقدية الدولية، حتّى بلغت ديون البلاد سنة 2016 ما يقدّر بـ 56 مليار دينار، ما يعادل 62٪ من الناتج المحلّي الخام.
ويمكن تفسير صعوبة الظرف الاقتصادي الذي تمر به البلاد بعدة معطيات، منها ضبابية الرؤية السياسية في المرحلة الانتقالية، وخطورة التهديد الإرهابي الذي أربك الاقتصاد التونسي، وأثّر على القطاع السياحي خصوصاً. هذا إلى جانب ما عرفته البلاد من حركاتٍ احتجاجيةٍ، أدت إلى تعطيل المشاريع الاقتصادية، وأوقفت مثلاً نشاط شركة فوسفات قفصة شهوراً، وهي التي توفر سيولة مالية يومية مهمة لخزينة الدولة. يضاف إلى ذلك تضخم نفقات التصرف والدعم في مقابل تراجع نسبة مساهمة الموارد الذاتية في تمويل ميزانية الدولة من 85% قبل 2011 إلى 70% سنة 2015، وهو ما يساهم في استنزاف الميزانية العامة للدولة. كما أن تقلص موارد الدخل الخارجية المتأتية من الاستثمار أثّرت سلباً على الاقتصاد التونسي .ويزيد في حدة الأزمة الاقتصادية التي تواجهها تونس عدم استقرار الأوضاع الاقتصادية والسياسية على الصعيدين المحلي والإقليمي، خصوصاً في ليبيا التي تعتبر الشريك التجاري العربي الأول لتونس. وقد أرهق هذا الوضع الاقتصادي المواطن الذي أصبح يشكو من تدهور المقدرة الشرائية، ومن الارتفاع المشط للأسعار، ومن اتساع الهوة بين الأغنياء والفقراء.
ويتطلع التونسيون إلى أن تتخذ حكومة الوحدة الوطنية إجراءاتٍ عمليةً لتحريك عجلة الاقتصاد، وتحسين الوضع المعيشي للناس (تخفيض الأسعار- تحسين المقدرة الشرائية...)، وفك العزلة عن الفئات الفقيرة والمناطق الداخلية والطرفية المهمشة. والمطلوب من الفريق الحكومي اعتماد منوالٍ تنمويٍّ حيوي جديد، يضمن استقطاب المستثمرين من الداخل والخارج، ويخفّف الضغوط على ميزانية الدولة، بسبب تنامي النفقات، فمن المهم تعدّد الشراكات وتوسيع مجالاتها، وتشجيع الباعثين الشبان، والانخراط في ما يسمى الاقتصاد الشبكي، والاقتصاد الخدماتي المعولم، وحكومة يوسف الشاهد مدعوّة إلى البرهنة واقعياً على ما وعدت به من التزام بالحوكمة والشفافية، وعزم على مكافحة الإرهاب والتهريب، والفساد والتجارة الموازية، وهي مطالبة بتحسين الإنتاج والإنتاجية، وكسب معركة التنافسية وإعادة الاعتبار للدينار التونسي، وتحسين الترتيب السيادي للبلاد، وتوفير موارد مالية عاجلة لخزينة الدولة. كما يرتقب منها البحث في سبل الحدّ من نسبة التضخم المالي، وسبل إعادة جدولة الديون، والتقليص من عجز الميزان التجاري. يضاف إلى ذلك جميعاً ضرورة أن تساهم في إحداث فرص عمل قارّة أو مؤقتة، تستوعب آلاف العاطلين عن العمل من أصحاب الشهادات العليا. وتلك لا محالة تحدياتٌ كبيرةٌ تقتضي تفعيل الحكم التوافقي، وتجميع الجهد لكسب معركة التنمية والدخول في هدنةٍ تصالحيةٍ بين حكومة الوحدة الوطنية والهيئات المهنية والنقابية.

511AC165-C038-4A2F-8C46-0930BBB64EBE
أنور الجمعاوي

أستاذ وباحث جامعي تونسي، فاز بالجائزة العربيّة للعلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة لتشجيع البحث العلمي (فئة الشباب) من المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. له عدة أبحاث وكتب.