الحقيقة هي الضحية الأولى في سورية

الحقيقة هي الضحية الأولى في سورية

08 مايو 2019
قصف متواصل على إدلب (عامر الحموي/فرانس برس)
+ الخط -
يتصدر الخبر السوري العناوين في المواقع الإخبارية والقنوات التلفزيونية الإخبارية في حالتين فقط: عندما تهتم الصحافة الأجنبية عموماً، والأميركية خصوصاً، بأي خبر أو قصة صحافية قادمة من سورية، والحالة الثانية أن يقع عمل إرهابي في أي بلد بالعالم ويكون سوري أحد المشتبه بهم. أما في الحالات الأخرى، فالخبر السوري يتذيل القائمة. وغالباً ما يحرره صحافي ربّما يشعر بالملل أو أنّ دوامه شارف على الانتهاء، وكأن لم يبقَ أمامه إلا ذلك الخبر الروتيني القادم من سورية!

قال لي صديقي ذات مرة إنّ الثورة لم تفشل لأنها لم تسقط نظام بشار الأسد، وإنما فشلت لأننا استنسخنا النظام في البداية ثم تفوقنا عليه في كل شيء، بدءاً من الفساد والنفاق ووصولاً إلى بيع الثورة في مزادات الدول والمصالح.

أفكر اليوم بالخبر السوري الذي لا يجرؤ على رفع رأسه أمام بقية الأخبار، فيقفز أمامي خبر رديء عن انتخابات ما يسمى بالائتلاف والحكومة المؤقتة. أتجاوز الخبر فأغرق في سلسلة فيديوهات العنوان الأبرز لها "التسول على معاناة الآخرين"، ومن ثم ندخل في سلسلة لا نهاية لها من ترديد الشعارات.

اليوم، لا إعلامَ سورياً معارضاً حقيقيٌّ. يتأرجح الملف السوري إعلامياً ما بين التجاهل والتسول، وما بين إعلام يتبع للمؤسسات وللرعاة وآخر يغني موال البكاء صباحاً وموال العويل ليلاً، والغائب الحقيقي عنه هو الحقيقة، لتصبح مقولة جيمي كارتر "الحقيقة هي الضحية الأولى للحروب" وكأنها مفصّلة على قياس الثورة السورية.

ماذا فعلنا في 8 سنوات من الدم والموت في سورية؟ كإعلاميين "معارضين" لم نتوقف عن ترويج شعارات الفصائل، ولم نتردد في تشجيع الانتصارات الكاذبة، وتألقنا في إيجاد المبررات للاقتتال المباشر وغير المباشر بين الفصائل على طول سورية وعرضها.

في 8 سنوات من الدم والموت في سورية، لم نخجل من تناول النظام وانتصاراته بسخرية، وتجاهلنا أن السخرية تنقلب ضدنا.

من حكم الثورة خلال 8 سنوات من الدم والموت في سورية؟ ومن تفاوض في أستانا باسمها؟ هل يستطيع من سيطر على إعلام ومنابر الثورة من "سياسيين وعسكريين وصحافيين ومثقفين" أن يعترفوا بالهزيمة، وهم بعد طول الممارسة لصنعة الكلام يصدقون أن الشعب يصدق أن "الحكي من ذهب"؟ وهل يجرؤ هؤلاء أن يكونوا سوريين فقط عند الحديث عن إدلب اليوم؟

هل وفى الضامن التركي بوعوده لسكان إدلب؟ وهل كان على أولئك الغارقين في هم التهجير والبحث عن لقمة عيش في المدينة التي انحشروا فيها، أن يتحملوا صراعات الفصائل في إدلب؟ وهل كان علينا أن نصفق لأستانا وسوتشي وسوتشي وأستانا، رغم الغياب السوري؟ وهل كان على السوريين أن يتحملوا تشبيح تجار الكلام، وهم يخونون ويكفرون كل من ينتقد تلك الفصائل والتجار؟ هل كان على السوريين أن يشاهدوا تلك الأعداد المخيفة من الهاربين من موت القصف الروسي؟ هل كان علينا أن نصمت ونصفق ونكفّر ونشبّح ونبيع الشعارات وندفن رؤوسنا في الرمال، ونرتزق للسياسيين وللداعمين؟ هل كان علينا كل ذلك لنعترف بأننا هزمنا!

الهزيمة كبرى، مجلجلة. فالجميع اشترك في جريمة الأيام الماضية في إدلب، والجميع تجاهل كل الحقائق على الأرض، وخلق عالمًا وهميًا، وتحولت المهنة من إعلامي وصحافي إلى مختلق للأكاذيب ترضي غروره ورغبة الممول.

صديقي الذي تشاجرت معه لأنه قال لي إن الثورة فشلت عندما فقدنا قيمتنا الإنسانية، هو ذاته تنبأ بأن النظام سيستلم سورية بلا أي موروث من الثورة، بتاريخ سيتم تزويره على رؤوس الأشهاد.

التزوير سيطغى على الثورة التي كلفتنا مئات الآلاف من الشهداء، ومئات آلاف المقهورين، وملايين الأطفال الذين يحتاجون إلى سنوات طويلة لاستعادة بعض التوازن النفسي.

أين هم قادة الفصائل اليوم؟ ينتظرون النظام كي يتنازل ويقبل التفاوض معهم. ونعرف ويعرف العديد من الصحافيين أنهم توسلوا للوصول إلى أي نوع من أنواع الاتفاقات، ولكن النظام هو من كان يرفض، كان مدركًا تمامًا أنه سينتصر انتصارًا ساحقًا لأنه رأى منهجه في تجبر قيادات الفصائل، وكذب قادة الإعلام، وارتهان نقلهم للخبر بمصلحة الدولة المضيفة، والنظام يعرف أيضاً أن هؤلاء لا يملكون خبرة 40 سنة، في التمسك بقوة السلطة عبر الفساد والظلم مثله، ولهذا فهو غالب.

المساهمون