الحظر للجميع أو الحريّة للجميع

الحظر للجميع أو الحريّة للجميع

05 مايو 2014
+ الخط -

عجباً للذين يباركون إقصاء خصومهم السياسيين في مصر، من التيار الإسلامي أو من " 6 إبريل" أو من أي تيار آخر، أَلا يتذكرون كيف عانينا، جميعاً، بلا استثناء، جيلاً بعد جيل، وتياراً وراء تيار، وعصراً بعد عصر، من جبروت الأنظمة والسلطات وممارساتها الاستبدادية، من إقصاءٍ وحلّ وحظرٍ ومصادرةٍ وتجميدٍ وتوقيفٍ واعتقال؟ أفلا يعقلون أو يتذكرون: حل الاحزاب، 1953، وحظر تأسيسها 25 عاماً، 1953 ـ 1978، حل جماعة الإخوان المسلمين عام  1954، إكراه الشيوعيين على حل حزبهم السري في 1965 شرطاً لقبولهم في "الاتحاد الاشتراكي"، ناهيك عن الحظر الدائم المفروض على تشكيل أية أحزاب شيوعية على مر العصور، عزل رجال عبد الناصر سياسياً ومحاكمتهم عام 1971، حل الاتحاد الاشتراكي في 1978، وإقصاء الناصريين ورفض التصريح لهم بحزب، إلى أن نجحوا في ذلك عام 1992، بحكم المحكمة الإدارية العليا، تأسيس النظام عام 1978 ثلاثة أحزاب على هواه: حزب مصر، والتجمع، والأحرار، مع فرض شروط قاسية على تأسيس أية أحزاب أخرى، والتضييق الشديد على أنشطتها، وهو وضع ظل مستمراً حتى قيام ثورة يناير، حين أطلقت حرية تأسيس الاحزاب بلا حدود، فيما عدا شرط عدد المؤسسين، تجميد حزب العمل عام 2000، رفض تأسيس حزبي الوسط والكرامة وأية أحزاب حقيقية أخرى، وإطلاق العنان للأحزاب الديكورية، اعتقال ومحاكمة آلاف الإسلاميين والشيوعيين والناصريين والقوميين وغيرهم، بتهم الانضمام إلى تنظيمات غير شرعية؟
ألا نستوعب كيف تدهور بنا الحال إلى أسفل السافلين في ظل الاستبداد، وكيف تمكّن النظام من ارتكاب كل أنواع الجرائم في حق مصر والمصريين، بلا محاسبةٍ أو تعقيب، فنُهبت الثروات، وانتشر الفقر، وأُهدرت الكرامة والاستقلال، وتم تسليم مفاتيح مصر إلى الأميركان، وتحولت إسرائيل قطراً شقيقاً؟
ألم نتعلّم أن تجارب إقصاء الآخرين لم تحل أي مشكلة؟ فلم تحقق نصراً، ولم تصن استقلالاً، ولم تنصر فقيراً، بل أصبحنا جميعاً في الحساب الختامي بلاداً تابعة، مجزّأة منقسمة متقاتلة متخلّفة مهزومة فاشلة.
ألم نشبع ونكتفي ونكتوي جميعنا، ومن دون استثناء، من القهر والاستبداد والاستعباد، ومصادرة الحياة السياسية والوطنية وتأميمها؟ هل سنعيدها مرة أخرى؟
ألم تتوافق كل التيارات، منذ زمن بعيد، على رفض مبدأ الإقصاء السياسي؟ ألم نقم جميعاً بمراجعة مواقفنا الأولية وتعديلها والاعتذار عنها، فتراجع الناصريون عن فكرة التنظيم الواحد، وتراجع الماركسيون عن فكرة ديكتاتورية الطبقة العاملة، وتراجع الإسلاميون عن فكرة الحاكمية لله لصالح المبدأ الديموقراطي القاضي بالاحتكام إلى الناس؟ فلماذا نرتدّ، الآن، عمّا توافقنا عليه؟ لماذا نعود إلى الخلف؟ لماذا نهدر أهم مكتسبات ثورة يناير؟
نستطيع أن نمارس خلافاتنا كما نشاء، وأن نستخدم كل أدوات الصراع السياسي المشروعة والمعروفة، ما عدا أسلحة الابعاد والإقصاء والاجتثاث سيئة السمعة، ناهيك عن الإعدام والسجن والاتهام بالإرهاب. ثم ألا يعلم هؤلاء أن مباركة حظر أي جماعة اليوم سترتدّ علينا جميعاً، وسيمتدّ الحظر، عاجلاً أو آجلاً إلى باقي الأحزاب والجماعات والمؤسسات من التيارات الأخرى؟
***
عزيزي الناشط السياسي المحترم: إنْ لم تدفعك مبادؤك وأخلاقك وضميرك إلى رفض مبدأ إقصاء وحظر جماعة، أو تيار سياسي معيّن، فلا يجب أن تخذلك فطنتك وذكاؤك ومصلحتك المستقبلية في ذلك.