الحضارة العربية الإسلامية

الحضارة العربية الإسلامية

08 مايو 2016
+ الخط -
يلاحظ المتتبع للفكر الفلسفي منذ عهد اليونان أن الفلسفات والأفكار والمذاهب والديانات تتغذى من بعضها، وتطور نفسها باستمرار عبر التلاقح والاندماج.
القواعد العامة التي تحكم نظام الحياة والعلاقات بين البشر، والمتمحورة حول حقوق الإنسان، وضمان العيش الكريم للمواطن، واحترام الاختلاف والتعايش السلمي بين المذاهب والمعتقدات، تستمد أصولها من الديانات السماوية الثلاث، ومن الفكر اليوناني العظيم، والفلسفة الإسلامية الغنية بانفتاحها وتجذّرها في عمق الفكر الإنساني الشاسع.
تلتقي الأديان السماوية الثلاث، اليهودية والنصرانية والإسلام، حول الايمان بإله واحد، وتدعو إلى التخلي عن عبادة الأصنام وتعدد الآلهة، كما تحث على نصرة الحياة وكرامة الانسان، ونشر روح المحبة والسلم والتعاون، للارتقاء بسلوك البشر ومعاملاتهم.
استطاعت الدولة الاسلامية، في أوج انتشارها، أن تحمل مشروعا حضاريا تنويريا، مساهمة في تقليب تربة الفكر اليوناني بمفاهيمه الكونية الأصيلة عبر الإثراء والتعميق والإغناء والتجاوز.
الانتشار الذي حققه الوعي العربي الإسلامي، والتغيير الذي أحدثه، والأثر الذي خلفه بفضل دعوته التي تمجد الحياة والعيش المشترك، وتعلي من قيمة العقل وحقوق الفرد والجماعة، ساهم في إيجاد مفاهيم تعتمدها الحداثة الغربية قواعد أساسية في مشروعها الحضاري.
لم يتقبل العربي المسلم المتغيرات الدولية، ولم يتحمل صدمة التجاوز الحضاري، ما جعله يعيش انكفاءً ونكوصاً فظيعا، دفعه للتمسك بالأنياب والأظافر بتراثه، من دون بذل أي مجهود فكري وعلمي، يمكّنه من الانخراط والتفاعل وفرض الوجود.
نحتاج، كأمة، أن نقف وقفة هادئة، نراجع فيها تجربتنا الطويلة، بكل نقاط قوتها واختلالاتها، أن نفهم أن الحضارات تعرف فترات مد وجزر، وترتفع، في محطات تاريخية، لتتقلص في فترات أخرى. لا تعيش الحضارات تطوراً خطياً أحادياً، بل تتقلب لتتعاظم حينا وتنحدر أحياناً، وفقا لموازين القوى الدولية والتقاطبات والتجاذبات المختلفة.
إحدى المداخيل لنلج العصر، ونفرض وجودنا هو أن نقبل التغيير الحاصل في الخريطة الدولية، وقبول الآخر المختلف والمغاير، والاستفادة من خبراته وتجاربه.
نحتاج أيضا إلى دماء جديدة تستمد وجودها من تجاربنا والاعتزاز بثراتنا وتاريخنا، ونعرف أننا ركيزة من ركائز التطور البشري دون تضخيم أو تحقير للذات، ودون هروب من الآخر ولا سقوط في أحضانه.
كنا، في فترات تاريخية، قادة وقدوة ومنهجا في مسيرة حياة البشرية، فتاريخنا المجيد يؤهلنا لخوض غمار العصر والدخول في الحداثة، معتمدين على خبراتنا وتجاربنا، متمسكين بهويتنا وحضارتنا وقواعد عيشنا، منخرطين في دعم مسيرة البشر، خدمة لأنفسنا أمة متميزة ومختلفة، وخدمة لمصلحة البشرية جمعاء.
906550B4-94E2-48C5-BF2B-2AEA240AC8FF
906550B4-94E2-48C5-BF2B-2AEA240AC8FF
منصف بندحمان (المغرب)
منصف بندحمان (المغرب)