الحشد الشعبي يواصل التضييق على سكان الطارمية العراقية

الحشد الشعبي يواصل التضييق على سكان الطارمية العراقية

28 مارس 2018
عمليات تفتيش يقوم بها الجيش العراقي(حيدر محمد علي/فرانس برس)
+ الخط -

تعيش مدينة الطارمية العراقية أوضاعا أمنية واجتماعية صعبة بسبب الغلق والتضييق على مداخل المدينة ومخارجها من قبل قوات الجيش العراقي ومليشيات الحشد الشعبي وعمليات الدهم والتفتيش المستمرة.

ولا ينفك سكان المدينة الواقعة على بعد 25 كلم من العاصمة بغداد، يسألون عن سبب استمرار ذلك، رغم عدم تسجيل المدينة أي عملية إرهابية أو أحداث عنف طيلة أشهر، باستثناء العثور على جثث بعض من يتم اعتقالهم بين فترة وأخرى من قبل قوات تزعم أنها تتبع للجيش أو لمليشيا الحشد الشعبي، وتستقل سيارات عسكرية خلال اقتحام المنازل ليلا.

يطلق على الطارمية اسم "القلغ"، وهي تعني السجن، كناية عن وضع سكانها السيئ، وهي من الأقضية الستة التي تحيط ببغداد، والتي تعرف حاليا بمناطق حزام بغداد، وتربط العاصمة مع صلاح الدين وديالى والأنبار، ويبلغ عدد سكانها نحو 91 ألف نسمة، وهم خليط من عدة عشائر، أبرزها المشاهدة وعبيد وشمر وبنو أسد والدليم والسلمان، ومهنتهم الرئيسية الزراعة، وكانت تعرف قبل العصر العثماني باسم ريف بغداد، إلا أنها سميت بالطارمية المشتقة من الكلمة التركية "طغارمية"، ومعناها الأرض الخصبة.

ويستمر نزوح العوائل من المدينة ومن القرى والأرياف التابعة لها، إلى مناطق أخرى للهرب من التضييق الأمني والاعتقال والحرائق المفتعلة، أو الابتزاز على نقاط التفتيش في مداخلها. وأعلنت وسائل إعلام محلية، أمس الثلاثاء، إغلاق المدينة للمرة الثالثة منذ مطلع 2018، تجهيزا للبدء بعمليات أمنية، علما أن العمليات الأمنية السابقة لم يعلن عن نتائجها بخلاف ما يحدث في باقي المناطق العراقية الأخرى.

ويتهم سكان المدينة مليشيات الحشد الشعبي بالعمل على إحداث تغيير ديموغرافي في الطارمية لعدة أسباب، أولها قربها من مدينة الكاظمية، ووقوعها على طريق سامراء، حيث المراقد المقدسة، فضلا عن موقعها الاستراتيجي.

ويشكو الأهالي ممّا سموه بـ"قتل الحياة" في مدينتهم، بسبب الإجراءات الأمنية المشدّدة، والحصار المطبق المستمر الذي أجبر الكثير من الأهالي على ترك البلدة هربا من تلك الأجواء، التي عطلت أعمالهم وحياتهم بشكل عام.

وقال أبو غالب، من أهالي البلدة، لـ"العربي الجديد"، إن "أهالي بغداد كانوا يأتون في السابق إلى بلدتنا في فصل الربيع للاستمتاع بالأجواء الجميلة والحياة في قلب الطبيعة وضفاف النهر. كل ما وهبنا الله من جمال لم نهنأ به منذ سنوات، فلا ربيع في الطارمية، ولا سعادة، بعد الإجراءات التي تتبعها قوات الجيش والحشد معنا".

وأضاف: "لا نعترض على الإجراءات الحكومية إذا كانت في مصلحة البلدة وأهلها، لكننا لا نريدها إجراءات تعسفية بلا مبرر. الإجراءات التي تتخذها القوات الأمنية بشكل مستمر أجبرت الكثير من العوائل على مغادرة البلدة بحثا عن سكن آمن وعمل مستمر".

وأشار إلى أنّ "الحياة في الطارمية أصبحت لا تطاق، فالمدارس تغلق بين فترة وأخرى، والمدرسون لا يستطيعون الوصول إليها، وكذا الدوائر، فضلا عن أنّ الأعمال معطلة".

وقال الشيخ محمود المشهداني، وهو أحد وجهاء البلدة، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الطارمية تعاني من التضييق الأمني المستمر من قبل القوات الأمنية والحشد الشعبي. لا يمر أسبوع إلّا وتحاصر القوات البلدة، وتطبق الخناق عليها. لا توجد أسباب مقنعة لهذا التضييق، فالبلدة لا تسجل فيها أعمال عنف وأوضاعها مستقرة نسبيا"، مؤكدا أنّ "الأهالي يعتبرون التضييق متعمدا وغير مبرر".

وأكد أنّ "هذه الإجراءات قتلت الحياة في البلدة، إذ عطلت الأسواق والدوائر ومصالح الناس الذين يتذمرون من الحصار الخانق"، داعيا الحكومة إلى "وضع حد لهذه الإجراءات غير المقبولة، التي أثرت سلبا على حياة المواطنين".

وتسلمت مليشيا "الحشد الشعبي" أخيرا، مهام الملف الأمني في البلدة من القوات الأمنية، ووعدت بملاحقة "خلايا الإرهاب داخل البلدة"، وقال مصدر أمني، لـ"العربي الجديد"، إنّ "قوات أمنية ومليشيا الحشد الشعبي حاصرت الطارمية، أمس الثلاثاء، وأغلقت جميع منافذها"، مبينا أنّ "قوات كبيرة دخلت إلى البلدة وشنّت حملة دهم وتفتيش فيها، شملت المناطق السكنية والبساتين والأسواق".

وأكد أنّ "القوات اعتقلت العديد من الشباب من منازلهم، ومن المحال التجارية"، مبينا أنّ "القوات ما زالت تطوق البلدة، وتداهم المنازل بشكل مفاجئ".

وقال ضابط في مركز شرطة الطارمية، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الملف الأمني للبلدة أصبح بيد الحشد الشعبي، وأنّ أي قرار يتخذ هو من قبل الحشد"، معبرا عن استغرابه من "الضغط الكبير على البلدة من دون مراعاة للأهالي".