الحرية... خارج النص

الحرية... خارج النص

16 نوفمبر 2017
+ الخط -
إننا لا نعيش حياتنا، ما زلنا نحاول أن نتكون بالطريقة التي يريدون، وفق المسار الذي تم رسمه لنا، بحسب الأشياء التي تصيغ وجودنا كما قالوا، ما زلنا ننجرف حيث كان التيار قوياً، ونزعم أنه يوافق ما نعتقده، ونبتعد عن تيار آخر نزعم أنه يخالف ما نعتقده.

إن صلب اختيارنا وحريتنا يكمن في وضع أنفسنا ضمن تيار معين لننجرف فحسب، إننا نختار التيار. نختار ما نعتقده كما نظن.

نلحد أحياناً لنثبت أننا مختلفون عن الكثرة المؤمنة، نؤمن أحياناً أخرى، لنثبت أننا نختلف عن العالم الكافر، ونكفر بالأشياء حولنا لأنها عادات رتيبة يجب أن نثبت لأنفسنا أننا متحررون منها. إننا في الحقيقة لا شيء، ما زلنا نتكون فقط ضمن الاحتمالات المتوفرة. ونحن بذلك نعيد انتاج نسخنا الشائهة جداً فحسب.


معظمنا لا يدرك ما يعتقده حقيقة.. حتى يكون كما يريد هو، لقد قيدنا إرادتنا مذ ربطناها بعالم الاحتمالات المقيت، نحن جديرون بخلق احتمالات جديدة كليا، تناسبنا نحن فقط.

وعلى كل جيل إيجاد ما يناسبه، ليكون حراً، لا نريد أن نبقى كما نحن. لا شيء يغرينا بالبقاء، كل العبارات والمبادئ تبدو فارغة جداً، تبدو كأنها قد أُعدّت بشكلٍ جيد لاستهلاكنا ورمينا جثثا متفحمة على حافة قضيةٍ ما. لا ندري حقيقة من قام بحشرنا في داخلها، وادّعى أنّها تمثلنا. إنّنا يجب علينا الدفاع عنها لأنّها ما يعطي للحياة قيمتها.

كم كنّا سذجاً عندما صدقنا ذلك، كم كنّا أغبياء!! وكم كانوا "هم" (من قصّ علينا تلك الحكاية) محترفين في أساليب الكذب والمراوغة.

إننا نحن الناس، البشر، أبناء هذه البلاد، من يعطي للحياة قيمتها وللأوطان قيمتها وللثورات قيمتها، وبنا يتشكل كلّ شيء وتنتظم المفاهيم، ونحن فقط من يقرر القضايا ويلغيها. نحن فقط من يقرر الإيمان من عدمه. نحن فقط بحريتنا المقدسة، المتعالية على كل شيء في هذه الأرض، نختار ما علينا أن نكونه أو أن نستحيل عنه.

لا شيء يعلو علينا. إننا أُسُّ الوجود وبقيته الخالدة، إنّنا الروح التي لا تفنى، الوصايا التي لا تنقط، والرسالةُ التي تتناقلها الأجيال رغماً عنها كجينات وراثية. إنّنا من خُلقت الأرض لأجلهم كما جاء في الرسالات السماوية التي يؤمن بها المؤمنون، وكما جاء في فلسفات الذين لا يؤمنون، وأيّ بوصلةٍ تبتعد عنّا أو تحاول تجاوزنا هي بوصلة معطوبةٌ جداً، تشير إلى شمال باردٍ خرب، لا يعنينا ولن نُحارب من أجله. إنّنا الوجود يا سادة.

جميعاً.. نحن جميعاً هذا الوجود.. كل الذين يحاولون تجاوز ذلك سيسقطون.. سندوسهم في سيرنا الطويل، ولن يصمدوا طويلاً أمام أمواجنا المتلاطمة.

دلالات

أحمد العبسي
أحمد وديع العبسي
كاتب وصحفي سوري. مدير عام صحيفة حبر السورية. أكتب لأجل الحرية فقط وأؤمن بالثورة كأداة للتغيير. يقول: الانحياز هو الحرية المطلقة، عندما أؤمن بما أريد وأعبّر عنه بشجاعة.