الحريات الصحافية في الجزائر... عودٌ على بدء

الحريات الصحافية في الجزائر... عودٌ على بدء

04 ابريل 2020
مُنع الصحافيون من تغطية الحراك الشعبي (بلال بن سالم/نورفوتو)
+ الخط -
أشاح اعتقال الصحافي خالد درارني في الجزائر وملاحقته قضائياً بسبب عمله المهني، واستمرار الضغوط على الصحافيين والمؤسسات الاعلامية، النقاب عن تلكّؤ واضح لدى السلطات الجزائرية في رفع يدها عن الصحافة، برغم الوعود والالتزامات التي قدمها الرئيس عبد المجيد تبون بشأن حرية الصحافة.

يقضي الصحافي خالد درارني أسبوعه الأول في السجن بعد اعتقاله، الأحد الماضي، وقرار مجلس قضاء الاستئناف إيداعه الحبس المؤقت وإلغاء قرار وضعه تحت الرقابة القضائية الذي كانت أصدرته قبل اسبوع محكمة ابتدائية ضده، بعدما وُجّهت له تهمة التجمهر غير المرخص، برغم أنّه كان بصدد تغطية صحافية لمظاهرات الحراك الشعبي. لكنّ مواقف درارني ودعمه للحراك ومشاركته في فعاليات سابقة لقوى الحراك والتزامه بالاستمرار في تغطيته لصالح موقع "القصبة" الذي يديره وقناة فرنسية، دفعت السلطات إلى السعي لتوريطه في تهم لا علاقة له بها.

وخلّف اعتقال درارني واستمرار توقيف الصحافي سعيد بودور وسفيان مراكشي بتهم لها علاقة بالعمل الصحافي، وكذا المضايقات ضد الصحافيين حالةً من القلق في أوساط الصحافيين، حيث وقّع العشرات على عريضة تدين توقيفه وتطالب بالافراج الفوري عنه، وتذكر السلطات والرئيس عبد المجيد تبون بالتزاماتهم السياسية والدستورية بشان الصحافة، وخاصة ما يتعلق بالمادة 50 من الدستور التي تضمن حرية الصحافة، وتحظر سجن الصحافيين بتهمٍ تتعلق بتأدية مهامهم كصحافيين، واعتبروا أنّ حرمانه من حرّيته سيبقى نقطة سوداء في جبين السلطة الحالية والجزائر الجديدة.

وتراجعت هوامش الحريات الصحافية في الجزائر مقارنةً بفترة قصيرة تلت اندلاع الحراك الشعبي في فبراير/شباط 2019 مباشرة، شهدت فيها الحريات الصحافية توسعاً كبيراً وتحررت المؤسسات الإعلامية من القيود السياسية التي كانت مفروضة عليها، لكنّ هيمنة الجيش على المشهد السياسي ما قبل الانتخابات الرئاسية التي جرت في 12 ديسمبر/كانون الأول الماضي، دفعت بالجيش والأجهزة الأمنية إلى إعادة لجم المؤسسات الإعلامية وبخاصة القنوات المحلية والتضييق على المراسلين الدوليين، ومنعهم من تغطية مظاهرات الحراك الشعبي وفرض خطّ تحريري واحد، ومنع استضافة المعارضين في القنوات.

وقبل تعليق الحراك للتظاهرات، كانت أجهزة الأمن تلاحق الكاميرات والمصورين والصحافيين في الشارع، وتقوم بتوقيفهم لعدة ساعات وتصادر منهم المادة المصورة، قبل أن تقوم بالإفراج عنهم في وقت متأخر، مثلما حدث مع عدد من الصحافيين، أمثال جعفر خلوفي ومحمد لمين مقنين ومصطفى بسطامي وغيرهم. وكان واضحاً أنّ السلطة تباشر تضييقاً على الحراك وتسعى لمنع أية رواية أو سرد يعارضان روايتها الرسمية. 

وبرغم وعود قدمها الرئيس تبون منذ استلامه السلطة في 19 ديسمبر/كانون الأول الماضي، بشأن حرية الصحافة وتسوية الوضع الهش مهنياً واجتماعياً للصحافة والصحافيين، فإنّ لا شيء تحقق من هذه الوعود، بحسب الصحافي محمد طيبي الذي يؤكد لـ"العربي الجديد" أنّ "الكثير من العوامل المؤسسة للحريات الصحافية لم تنجز. الرئيس قدم وعوداً ومع اعتبارنا أنّ الفترة التي انقضت من حكمه ليست كافية لتنفيذها كلها، إلا أنني أعتقد انه كان على الأقل طرح مؤشرات وقرارات تؤكد حسن النية ولا تحتاج لوقت كبير، كرفع الإكراهات والمضايقات على الصحافيين والمؤسسات الصحافية، وتحرير الإشهار العمومي (الإعلانات)"، مضيفاً أن "استمرار المعالجة الأمنية للمسألة الإعلامية في الجزائر يؤكد أنّ السلطة ليس لديها نية جدية لتحرير الصحافة، بل أنا على قناعة أنها لن تفعل".

وعمّق افتقاد الصحافيين الجزائريين لمنظمات ونقابات مهنية تتولى الدفاع عن الحريات وعن مصالحهم المهنية والاجتماعية، من مشكلة انفراد السلطة بفرض نمط معين وهوامش محددة من الحريات على الصحافة. فعدا المجلس الوطني للصحافيين الذي أنشئ قبل فترة قصيرة، ومبادرة "صحافي حر"، لا توجد نقابة قوية للصحافيين. إذ لم يسجل المجلس أي تقدم أو نتائج في مجال الدفاع عن الحريات، ويعتقد رئيسه رياض بوخدشة في تصريح لـ"العربي الجديد" أنّ المجلس حديث النشأة وهو بصدد هيكلة الصحافيين، ويقر أنّ العمل النقابي في الجزائر ما زال فتياً وتعترضه مشكلات كبيرة، داخل الوسط الصحافي نفسه، أو في المجال العام وفي العلاقة بالمؤسسة الرسمية.

المساهمون