الحروب وقتل التنمية العربية

الحروب وقتل التنمية العربية

24 أكتوبر 2014
المنطقة العربية تدفع ثمناً اقتصادياً باهظاً للحروب (أرشيف/getty)
+ الخط -

على مدار العقود الستة الماضية لم تعرف المنطقة العربية حالة من الهدوء، فكلما انقضت حرب نشبت أخرى، سواء كانت تلك الحروب بين دول عربية وأخرى غير عربية، أو بين الدول العربية وبعضها بعضًا، وكان التدخل الغربي الأميركي هو الأبرز في مجال الحروب العربية على مدار العقدين الماضيين.

وتدفع المنطقة العربية ثمنًا اقتصاديًا غاليًا، سواء بشكل مباشر في دفع فاتورة السلاح، وتعطل الإنتاج ووجود حالة من الركود الاقتصادي لدى الدول المتحاربة، أو بشكل غير مباشر من خلال استمرار حالة التخلف الاقتصادي، وتعطل انطلاق مشروعات التنمية.

وتعيش المنطقة العربية حاليًا حربًا مبهمة على تنظيم "داعش"، وهو تنظيم لا يزال مجهول الهوية، وإن كانت الدلائل على كونه صنيعة أميركية واضحة ولا تحتاج إلى برهان. ومما يدلل على أن الحرب الحالية في المنطقة العربية حرب مدارة، تصريح هيلاري كلينتون، خلال الأيام الماضية، بأن الحرب على "داعش" ستكون طويلة الأمد، في حين أنها كانت منذ أيام قد صرحت كذلك بأن "داعش" صنيعة أميركية، ولكنها خرجت عن الخط المرسوم لها.

إن الملمح السريع لتصريحات كلينتون، وغيرها من مسؤولين غربيين، أن تستمر الدول النفطية العربية لفترة طويلة قادمة في حالة تأهب لمواجهة الخطر المصطنع، "داعش"، فيزيد الإنفاق على التسليح، كما تبقى باقي دول المنطقة في حالة التردي الاقتصادي، ومحاولات استنزاف اقتصاديات دول غير عربية في المنطقة، من خلال محاولات توريطها في الحرب على "داعش"، مثل تركيا وإيران.

تضارب الاستراتيجيات

في عقد التسعينيات سعى الاتحاد الأوروبي إلى توقيع اتفاقيات للشراكة مع عدد من الدول العربية، التي تطل على البحر المتوسط، وكان ضمن الأهداف المعلنة، أن الغرض من هذه الاتفاقيات انتقال العلاقة بين الطرفين من المعونات إلى الشراكة من جهة، ومن جهة أخرى الحد من ظاهرة الهجرة من الدول العربية إلى الدول الأوروبية، حيث إن هذه الشراكات، سوف تتيح فرص عمل ومناخ يساعد على استقرار الأفراد في الدول العربية، مما يجعلهم لا يفكرون في الهجرة. ولكن الواقع العملي لم يسفر عن تواجد استثمارات أوروبية بصورة كافية تسمح بتحقيق هذا الهدف.

بينما الواقع الحالي والذي تديره أميركا وبعض الدول الغربية، يشهد استمرار مسلسل الحروب في المنطقة العربية، وليس من قبيل المؤامرة القول بأن أميركا وبعض الدول الغربية تقف خلف إفشال ثورات الربيع العربي، لإعلانها تبني مشروعات مستقلة للتنمية، تسمح بإفادة الشعوب العربية من ثرواتها، وتعيد رسم العلاقات الاقتصادية الخارجية لهذه الدول في إطار من الندية وليس التبعية.

ورغم وجود هذه الاستراتيجيات من خارج المنطقة العربية، فلا نجد أية محاولة لتبني استراتيجية ذاتية من الدول العربية، قوامها الحفاظ على مقومات المنطقة الاقتصادية، من أجل بناء نهضة تنموية.

إن تجربة دول جنوب شرق آسيا، نجحت في تبني هذه الاستراتيجية من خلال تجنيب دولها الدخول في حروب بينية من أجل الحدود، أو أية مصادر أخرى للنزاع، مما جعلها تركز في إنفاقها العام على التنمية، وهو ما انعكس إيجابيًا على تلك الدول، وارتفعت معدلات التنمية فيها بصورة غير مسبوقة، مما ساعدها على تحقيق استقرارها سياسيًا وأمنيًا.

التكلفة التنموية للحروب

فاتورة الحروب في المنطقة العربية طويلة، سواء تلك التي تدفع بشكل مستمر في شراء السلاح، حيث تشير بيانات التقرير السنوي للمعهد الدولي للسلام إلى أن إنفاق دولتي السعودية والإمارات فقط، في عام 2013 بلغ 107 مليارات دولار، كما أن حجم الإنفاق على التسليح في منطقة الشرق الأوسط بلغ في العام نفسه 150 مليار دولار، وهو ما يعني أن الدول العربية هي صاحبة معظم الإنفاق على التسليح بالمنطقة.

ونستطيع القول إن الانفاق على التسليح بالمنطقة العربية لم يعد ذا جدوى، فبعد إنفاق نظامين عربيين مستبدين في ليبيا والعراق (عهد القذافي بليبيا، وصدام بالعراق) مبالغ طائلة قد يصعب الوصول إلى رقم حقيقي بشأنها، احتُلت العراق، وتفككت ليبيا. وحتى بعد التحرر المزعوم في العراق، يشير إحصاء معهد السلام الدولي إلى أن العراق أنفق على التسليح في عام 2013، نحو 8 مليارات دولار، ومع ذلك تفكك الجيش العراقي أمام مجموعة من المدنيين في عام 2014، ليهزم أمام ما سمي بتنظيم "داعش".

وكما هو مشاهد فإن حالة التدمير، التي تخلفها الحرب داخل الدول العربية، تدخل هذه الدول في دوامة ملعونة، فهي بين هاجس التسليح والإنفاق عليه لتدبير اقتصادها وبنيتها الأساسية، وبين الإنفاق فيما بعد على تعمير ما خلفته الحرب، ولكن أين هو الإنسان العربي من تلك النفقات؟

إن عماد عملية التنمية أمران، التقدم التكنولوجي والتراكم الرأسمالي، وهما ما تفتقده الدول العربية، سواء على المستوى القطري أو الإقليمي، على الرغم من توافر الموارد التي تؤدي إلى تحقيقهما، ولكن في حالة الحروب تستنزف الأموال في الإنفاق على التسليح والمتطلبات الأخرى للحرب، فلا تتم عملية التراكم الرأسمالي، وكذلك يستنفد العنصر البشري إما في الحروب أو الهجرة، فلا يتوفر التعليم الجيد الذي ينتج التقدم التكنولوجي.

والحديث عن البطالة بالمنطقة العربية أصبح من المسلمات، وكونها من أعلى نسب البطالة في العالم بنسبة تصل إلى 16 % من القوى العاملة، وأن لديها كذلك أعلى نسبة بطالة بين الشباب تتجاوز حاجز الـ 28 %.

ومن الطبيعي أن تستمر قضية البطالة بلا حلول ممكنة، ما دامت المنطقة على موعد دائم لتفجير حرب هنا أو هناك، سواء من داخل المنطقة العربية، أو بتدبير وتنفيذ قوى أجنبية وبخاصة أميركا، التي قادت العديد من الحروب داخل منطقة الشرق الأوسط والمنطقة العربية على مدار العقدين الماضيين.

وفي حين يعد العنصر البشري أهم مقومات أي مشروع تنموي، نجد أن المنطقة العربية طاردة للكفاءات البشرية، في حالات السلم، ويزداد الأمر سوءًا في حالات الحرب، حيث يهاجر مئات الآلاف من المواطنين فرارًا بحياتهم، وغالبًا ما يسرع أصحاب الوضع المالي الأفضل بالخروج من الدول، التي تعاني الحروب.

وقد لوحظ خلال الفترة الماضية استمرار ظاهرة اللاجئين العرب، فحتى الثمانينيات كانت ظاهرة اللجوء العربي قاصرة على أبناء الشعب الفلسطيني، وأضيف إليهم فيما بعد الصوماليون، والسودانيون، والعراقيون، ثم السوريون، ثم اليمنيون. واللجوء في الحالة العربية للأسف مصيره معسكرات بائسة، لا تساعد على الاستفادة من مساعدة هؤلاء اللاجئين على العمل والإنتاج، فيتم النظر إليهم على أنهم عبء يجب التخلص منه.

إلهاء اقتصادي

ثمة دعوات هنا وهناك تتبناها مؤتمرات اقتصادية مختلفة المشارب، حول ضرورة تبني المنطقة العربية لاقتصاد الخدمات، سواء كانت تلك الخدمات متعلقة بالنقل والشحن والتخزين، أو خدمات السياحة والسفر، أو خدمات القطاع المالي، وذلك على اعتبار أن هذا النشاط يزيد من اندماج المنطقة في الاقتصاد العالمي.

ولكن هذه الدعوة ينكشف زيفها من خلال أمرين، الأول أنها تستبطن أن تظل المنطقة العربية في حالة تبعية لغيرها من مناطق العالم، حيث إنها لا تنتج، فهي مثلًا تدفع فاتورة سنوية للغذاء، والذي يعد أهم مقومات الحياة، تصل لنحو مليار دولار. الأمر الثاني هو كيف يكون للمنطقة مساهمة في النشاط الخدمي اقتصاديًا وهي تعاني ويلات الحروب؟

إن الاستقرار بكافة صوره وجوانبه، هو المطلب الأول تحقيقه حتى تستطيع الدول العربية ممارسة نشاطها الاقتصادي بصورة طبيعية كبقية دول العالم.

إن الهدف من استمرار الحروب داخل المنطقة العربية هو إفقار شعوبها، وجعلها لا تفكر في التنمية، ولا تعيش تجارب تنموية إيجابية كما عاشت دول أخرى في مناطق مختلفة في العالم، مثل الصين ودول جنوب شرق آسيا، أو بعض دول أميركا اللاتينية.

ولن تشهد المنطقة العربية حالة من النجاح في مجال التنمية، دون أن تكون لها نظرة ذاتية، لإنهاء خلافاتها، والبحث عن وسائل أخرى غير السلاح والحروب، وأن تؤمن النظم الديكتاتورية العربية الحاكمة بأن التداول السلمي للسلطة وممارسة الديمقراطية كفيلان بتحقيق التنمية، وأن تعتمد المنطقة على الآليات العربية، لفض النزاعات، وعدم السماح بتدويل قضاياها، أو أن يفتح المجال لتدخل قوى أجنبية.

المساهمون