الحركات الإسلامية في شرق آسيا... نهج وأفكار

الحركات الإسلامية في شرق آسيا... نهج وأفكار

25 سبتمبر 2019
+ الخط -

تحدثت في المقال السابق عن الحركات الإسلامية في مصر وبالخصوص عن الإخوان المسلمين، ولكي نتطرق إلى هذا الموضوع علينا أن نشمل نهج وأفكار الحركات الإسلامية في بلاد ما وراء النهرين خصوصاً في شرق آسيا، حيث أعداد المسلمين هناك ذات أغلبية وتحكم العديد من البلدان مثل إندونيسيا وماليزيا وجنوب الفيليبين.

كيف تأثرت الشعوب الأسيوية بالحركات الإسلامية
في البداية، لقد انتشر الإسلام في جنوب شرق آسيا عن طريق التجارة مع عرب حضرموت، ففي ولاية مالاكا التي تقع في غرب ماليزيا كانت أحد أهم الموانئ البحرية في العالم، وكان الخط الواصل بين ماليزيا والعالم، وفي تايلاند دخل الإسلام عن طريق التجارة أيضاً في العاصمة بانكوك، ولكن كان الإسلام الشيعي هو أول من دخل العاصمة التايلاندية وكان أول مُفتٍ في تايلاند يعتنق المذهب الشيعي، وفي إندونيسيا دخل الإسلام عن طريق التجارة واستجاب الشعب الإندونيسي للإسلام فأصبحت الجزر الإندونيسية ذات أغلبية إسلامية تعتنق المذهب الشافعي كما هو الحال في ماليزيا وجنوب تايلاند.

أمّا عن دخول الحركات الإسلامية في جنوب شرق آسيا فإن أغلب الحركات الإسلامية في جنوب شرق آسيا قد تأثرت بعوامل الاحتلال الغربي، فعلى سبيل المثال في إندونيسيا كان الاحتلال الهولندي يتحكم في جميع مفاصل الحُكم، حتى ظهرت الحركة الإسلامية التي تُدعى شركات إسلام في عام 1920 وهي حركة مكونة من سياسيين وعلماء دين بالإضافة إلى طلاب جامعات ومدارس وكان المحرك الأساسي لهذه الحركة هم رجال الدين.

ولننتقل عزيزي القارئ إلى ماليزيا ونرى كيف ظهرت الحركات الإسلامية تحت ظروف الاحتلال الإنكليزي، فماليزيا قد تعرضت لكثير من العدوان على أرض وشعب الملايو من الاحتلال البرتغالي، والتايلاندي، والياباني بالإضافة إلى الاحتلال الإنكليزي الذي رحَل عن شبه جزيرة الملايو في عام 1957.


في فترة الاحتلال كانت القومية الملايوية هي التي تتحكم في قيادة الشعب الملايو بقيادة حزب الأمنو وهو الحزب الذي حكم ماليزيا لأكثر من 60 عامًا حتى خسر الانتخابات لأول مرة وفَشِل في تشكيل الحكومة عام 2018. على كل حال قبيل رحيل الاحتلال الإنكليزياإنشق عن حزب الأمنو رجال الدين في الحزب ليُشكلوا أول حزب إسلامي في ماليزيا وهو ما يُسمى بـ (باص) Parti Se-Islam Malaysia.

ويعتنق الحزب الإسلامي فكرة الإسلام السياسي وهو المشروع الذي تتبناه جماعة الإخوان المسلمين ويفتخر الحزب الإسلامي بأن الإيديولوجية السياسية في الحزب هي إيديولوجية الإخوان المسلمين.

أما في تايلاند ذات الأغلبية البوذية فيلعب الإسلام دوراً مهماً في الحياة السياسية فنسبة المسلمين أكثر من 20% ويتركز المسلمين في جنوب تايلاند، وهنا تُكمن المشكلة، ففي الحقيقة جنوب تايلاند كان يتبع ماليزيا وفي القرن الـ18 ضمنت تايلاند الولايات الشمالية لماليزيا إلّا أن مقاومة سلاطين الملايو مكنت من تحرير ولاية قدح في شمال ماليزيا فقط ودخلت ولايات فطاني وجالا وناراتيوات تحت الحُكم السيامي.

عند النظر إلى الحركات الإسلامية في تايلاند فإن أغلب هذه الحركات تتخذ من قومية الملايو منهجاً تسير عليه فتلعب القومية الدور الأبرز في تشكيل وتنشئة الفرد المُسلم وأغلب هذه الحركات هي جبهة تحرير فطاني، وجبهة الثورة الوطنية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي وأخيراً منظمات إسلامية تنتمي لفكر الإخوان المسلمين. وقد فاز حزب الأمة الملايو في تايلاند Prachachat Party بستة مقاعد في الانتخابات البرلمانية.

العمل السياسي في الحركات الإسلامية في جنوب شرق آسيا
في إندونيسيا خرجت المنظمات والحركات الإسلامية بسؤال كيف يمكن النهوض بالمجتمع المسلم؟ رجح البعض فكرة تغيير المناهج التعليمية وإنشاء المدراس الدينية بجانب الجامعات ومراكز التعليم الإسلامية، وبعضها كان له رأي آخر مثل إنشاء نهضة اقتصادية ومشاريع خاصة بالحركات الإسلامية حتى تستطيع أن تحقق أهدافها داخل المجتمع وأن تدعم نفسها ذاتياً، ولقد كان صراع السيطرة على المجتمع الإندونيسي بين الحركتين الإسلاميتين الحركة (المُحمدية وحركة نهضة العلماء) في أوائل القرن العشرين يأخذ منحنى إيجابيا في تطوير المجتمع الإندونيسي فقد أنشأت الحركة المُحمدية 9527 مركزا تعليميا بجانب 3755 مكتب صحة، على الجانب الآخر حركة نهضة العلماء لديها العديد من المدارس الدينية ومراكز الخدمات الاجتماعية بجانب قوة بشرية، أكثر من 30 مليون عضو، وكل هذا هو حصيلة أهم حركتين إسلاميتين في إندونيسيا، وبالرغم من إعلانها العمل السياسي إلّا أن الشيوعية كان لها رأي آخر، فصعدت الشيوعية إلى الحكم بقيادة سوهارتو الذي قَمع الحركات الإسلامية وقلل من دورها في المجتمع الإندونيسي وظل اضطهاد الحركات الإسلامية حتى عام 1973، وعملت الحكومة الإندونيسية على دمج الحركات الإسلامية تحت حركة واحدة، وهذه الفكرة التي كان يعمل عليها جمال عبد الناصر الرئيس المصري الراحل الذي كان يريد أن يدمج جميع الحركات الإسلامية تحت حركة واحدة تحت قيادته، ولكن رفض الإخوان المسلمين لهذه الحركة أدى لفشل مشروع عبد الناصر.

ماليزيا لم تسلم أيضاً من الوجود الشيوعي على أرضها فبعد أن ترك الاحتلال الإنكليزي ماليزيا خرجت الإيديولوجية الشيوعية في وسط المجتمع الصيني الماليزي، منددين بتطبيق النظرية الشيوعية لتُصبح ماليزيا تحت عباءة الصين، ومُستغلين حربهم بجانب الإنكليز ضد الاحتلال الياباني، ولكن تسبب الشيوعيين في إثارة الأزمات السياسية الاجتماعية والأمنية داخل المجتمع الماليزي وتسببوا في قتل العديد من رجال الشرطة.

وفي النهاية خسر الشيوعيون حربهم مع الشرطة والجيش حتى زُحزحوا إلى خارج البلاد، وخاضت تايلاند أيضاً معركة شرسة ضد الشيوعيين ولم تسمح لهم بدخول أراضيها حتى استقر الوضع مع الشيوعيين وجلسوا على الحدود الماليزية التايلاندية في مدينتي ساداو وبِتونج. في أثناء وجود الشيوعيين في ماليزيا قاموا بتجنيد العديد من أبناء الشعب الملايو، وهنا كانت الأزمة داخل الحركات الإسلامية، فعلى سبيل المثال الحزب الإسلامي في ماليزيا يتدخل في كافة الشؤون السياسية، وخرجت دعوى أن الإسلام والشيوعية لا يتصلان أبداً وبينهم نقيض في الأفكار والتأسيس، ولكن لم يقتنع الشباب المتحمس لكلام الحركات الإسلامية فقد كان أغلب المنتمين للحركة الشيوعية هم أبناء شعب الملايو من كلانتان وجنوب تايلاند وهؤلاء كانوا يؤمنون بفكرة استقلال جنوب تايلاند عن الحكومة السيامية. ولكن دعوة تكفير الشيوعيين جعلت العديد من الملايو يتركون الحركة ليخرجوا بحركات أخرى تُنادي بالاستقلال وانفصال الولايات الجنوبية لتايلاند لتعود تحت الحكم الماليزي أو أن تحكم نفسها ذاتياً.

العمل السياسي في ماليزيا له صبغة إسلامية، فعلى الرغم من أن العديد من زوار ماليزيا يؤمنون بفكرة علمانية الدولة إلّا أن هذا غير صحيح، فبعض الولايات في ماليزيا مثل كلانتان وترنجانو تخضع إلى قوانين إسلامية صارمة تمنع الاختلاط وشرب الخمر للمسلمين وغيرها من القوانين، وماليزيا تعلن أن الإسلام هو دين الدولة، وأيضاً الركن الأول من المبادئ الماليزية الخمسة أن يؤمن كل ماليزي بوجود إله، وتختلط السياسة بالدين في كثير من الأمور فماليزيا منعت إقامة حفل كبير لمشروب خمر شهير في ولاية بينانح في 2017 بجانب تحريم لعبة البوكيمون. وفي الآونة الأخيرة حدثت انشقاقات عديدة داخل الحزب الإسلامي الماليزي وأُنشئ حزب أمانة الذي يعتنق فكر الإسلام الوسطي المعتدل ودخل في تشكيل الحكومة بقيادة مهاتير محمد.

كلمة أخيرة
إن الحديث عن الحركات الإسلامية في شرق آسيا يتطلب أكثر من مقال وليكن هذا المقال مدخلاً للعديد من المقالات عن نهج وأفكار الحركات الإسلامية في شرق آسيا.

..يتبع

C528EEBC-01F4-4C3F-B4A9-D3B0E7E0915F
عمر جمعة أحمد

باحث أكاديمي في مجال الحركات الإسلامية. أتحدث 5 لغات (العربية - الإنكليزية - الملايو - التايلاندية - الفرنسية).