قبل انتقاله، أمس الأحد، إلى نيويورك للمشاركة في أعمال دورة الجمعية العمومية للأمم المتحدة، لعقد لقاءات طوال الأسبوع المقبل مع القيادات الدولية، تعمّد وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إجراء أربع مقابلات مع أربع محطات تلفزيونية رئيسية. هجمة إعلامية غير مألوفة بهذا التوقيت والكثافة، بدا أن غرضها تحضير الأجواء وتوجيه رسالة مسبقة بأن إدارة الرئيس دونالد ترامب تنوي جعل أزمتها مع إيران محور أبرز اهتماماتها وتحركاتها الدبلوماسية في هذه الدورة. ويأخذ ذلك أهمية خاصة من كونه يأتي في لحظة مشحونة بالتسخين والتهديد المتبادل بين البلدين، ولا يفصلها سوى أقل من شهر ونصف الشهر على بدء تطبيق العقوبات الأميركية النفطية والمالية ضد طهران. حرب دبلوماسية فاصلة ومحفوفة بخطر التحول إلى احتكاكات ميدانية موضعية لا يسهل التحكم بحدودها.
تناولت المقابلات قضايا وأزمات عدة، غابت عنها القضية الفلسطينية كلياً. وفي جميعها اتسمت لغة الوزير وتوقعاته بالتفهم والعزم على اعتماد سياسة الحوار، وأحياناً بالتفاؤل، سواء بخصوص العلاقة مع كوريا الشمالية وإلى حد ما مع تركيا، وحتى مع الصين، على الرغم من احتدام الحرب التجارية معها. وحدها إيران خاطبها الوزير بلغة الإنذار: "إن استخدام طهران لوكلائها في ضرب مصالح أميركا لن يمنعنا من الرد على الفاعل الأساسي، حتى عسكرياً"، كما قال، في إشارة إلى حادثة استهداف القنصلية الأميركية أخيراً في البصرة بقذيفة كاتيوشا، والتي حامت الشكوك الأميركية حول جهات موالية لطهران قامت بتنفيذها كرسالة موجهة لواشنطن في إطار الصراع الدائر معها حول تشكيل حكومة عراقية جديدة. والاعتقاد أن طهران كسبت الجولة الأولى في هذه المنازلة، من خلال الإطاحة برئيس الحكومة حيدر العبادي وبما يمهد لاستبداله بشخصية مقربة منها، ولو مقبولة من واشنطن مثل عادل عبد المهدي، كما تردد. بدورها، اعتبرت المتحدثة باسم الخارجية، هيذر ناورت، أن "هذا الموضوع يقرره العراقيون"، في ردها على سؤال لـ"العربي الجديد" حول هذه المعلومة.
مع العلم أن ثمة من يقول إن "إيران أدت الدور المفجّر للاحتجاجات في البصرة، والتي أفضت إلى إبعاد العبادي. كما أدت ولا تزال الدور الرئيسي في تعقيد وتأخير تأليف حكومة عراقية، من خلال التحكم بعملية تركيب ونسف التحالفات اللازمة لتشكيلها".
وحذّر الخبير في "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية" بواشنطن أنطوني كوردسمان، من الوضع قائلاً إن "هذا وضع من شأنه تعزيز نفوذ إيران والعودة إلى الانقسام الشيعي ــ السني، فضلاً عن الإبقاء على الخلاف بين بغداد والأكراد، وبما يؤدي إلى تحويل النصر على داعش إلى انتصار هام لإيران"، ذلك لأن العراق بدأ بالتحوّل إلى ساحة رئيسية للصراع على النفوذ أو على تقاسمه بين واشنطن وطهران ولتصفية قسم من الحسابات المتعلقة بالمنطقة. ومن غير المستبعد أن يدفع ذلك إلى تعزيز الحضور العسكري الأميركي في الشرق الأوسط بقوات إضافية.
إن إشارة بومبيو الصريحة إلى الخيار العسكري وسط هذا الاحتقان، غير اعتيادية. السنة الماضية في مثل هذه الأيام، وقف ترامب على منبر الجمعية العمومية، مهدداً كوريا الشمالية ورئيسها "رجل الصواريخ الصغير" بالتدمير الشامل. هذه السنة جاء دور إيران المتوقع أن يخاطبها الرئيس بلغة الإنذار، في كلمته أمام الجهة الدولية ذاتها. اختار أو بالأحرى اضطر إلى اختيار سياسة الاحتواء مع كوريا التي لا ترتبط واشنطن باتفاق نووي معها ورفض اعتماد السياسة نفسها مع إيران اللانووية حتى الآن والمرتبطة مع واشنطن باتفاق ملتزمة بشروطه حسب وكالة الطاقة الدولية المشرفة على تنفيذه، بل حسب كل الجهات الأميركية المعنية بالموضوع ومنها الكونغرس.