الحجر المنزلي... مسؤولية أخلاقية للحدّ من كورونا

الحجر المنزلي... مسؤولية أخلاقية للحدّ من كورونا

14 مارس 2020
محاولة للوقاية (حسين بيضون)
+ الخط -

مع ارتفاع أعداد الإصابات بفيروس كورونا الجديد، وإعلانه وباءً عالمياً من قبل منظمة الصحة العالمية، يصير الحديث عن الحجر المنزلي أساسياً، في حال الاشتباه بأعراض الفيروس، أو العودة من بلد سجّل إصابات به، للحد من انتشاره.

فرض الحجر الصحي المنزلي نفسه ضيفاً ثقيلاً لا بدّ منه، مع انتشار فيروس كورونا الجديد (كوفيد - 19) في أكثر من دولة حول العالم، وما رافقه من حالة ذعرٍ وهلع لدى العديد من الأشخاص الذين يحرصون على اتّباع الإرشادات الوقائية تفادياً للإصابة به. وإذ يبادر البعض إلى عزل نفسه تلقائيّاً بعد سفر أو شكوك بالإصابة، يلتزم آخرون العزل بناءً على طلب الطبيب المتخصّص، في حين لا يأبه آخرون باتخاذ أيّة إجراءات ويواصلون حياتهم بشكل اعتيادي.

ونشرت منظمة الصحة العالمية تدابير وقائية للأشخاص الذين يزورون مناطق انتشار الفيروس أو زاروها أخيراً (الأيام الأربعة عشر الماضية)، وأوصت بالعزل والحجر المنزلي حتّى التعافي تماماً "في حال الشعور بالتوعك، ولو بأعراض خفيفة كالصداع والحمى المنخفضة الدرجة (37.3 درجة مئوية أو أكثر) والرشح الخفيف في الأنف، وبطلب المشورة الطبية على الفور، في حال الحمى والسعال وصعوبة التنفس". كذلك لفتت المنظمة إلى أنّ "الدراسات التي أُجريت حتى يومنا هذا تفيد بأنّ الفيروس ينتقل في المقام الأول عن طريق ملامسة القُطيرات التنفسية التي يفرزها الشخص عند السعال أو العطس، لا عن طريق الهواء. وتتساقط هذه القُطيرات على الأشياء والأسطح المحيطة. ويمكن حينها أن يصاب الأشخاص الآخرون بالفيروس عند ملامستهم هذه الأشياء أو الأسطح ثم لمس عيونهم أو أنوفهم أو أفواههم"، كاشفةً أنّ مخاطر انتقاله عن طريق براز الشخص المصاب بالعدوى تبدو محدودة، على الرغم من أنّ التحريات المبدئية تشير إلى أنّ الفيروس قد يكون في البراز في بعض الحالات".



إجراءات الوقاية والحجر الصحي المنزلي يشرحها المتخصّص في الأمراض الجرثومية والمستعصية، الطبيب اللبناني روي نسناس. يقول لـ "العربي الجديد": "لا يجوز على الإطلاق الاستهتار بفيروس كورونا الجديد، بل المطلوب أخذه على محمل الجد، لأنّه فيروس سريع الانتشار. أمّا بالنسبة إلى المشتبه في إصابتهم بالفيروس، فعليهم التحلّي بالمسؤولية الأخلاقية للحفاظ على حياتهم وحياة الآخرين"، مضيفاً "علمنا بوجود حالات عزل منزلي اتّخذها بعض الأشخاص من تلقاء أنفسهم، لكنّها جاءت نتيجة خوفهم من التقاط العدوى، أو تريّثاً في انتظار نتيجة الفحص، لتحديد الإصابة من عدمها أو تحسّباً في حال شكوكهم بالإصابة".

يتابع نسناس: "يشترط الحجر الصحي في المنزل أن يعزل الشخص المُصاب نفسه مدة 14 يوماً في غرفة مقفلة غير مفتوحة على أقسام المنزل وبقية الغرف، وأن تكون منافذها باتجاه الخارج لا الداخل. وتنبغي عليه العناية بنظافته الشخصية واستخدام أغراضٍ خاصّة من دون تشاركها مع الآخرين، من مناشف ومحارم ورقية وأغطية وثياب خاصّة إذ يبقى الفيروس فعّالاً عليها الفيروس ما بين سبع ساعات وثماني. كذلك ينبغي عدم تشارك أدوات الطعام والشراب كما دورات المياه التي تُعَدّ مكاناً محتملاً للإصابة، بعد وضع الشخص المُصاب يده على الجدران والأبواب أو على صنبور المياه وغيرها من الأسطح المعدنية والحديدية والبلاستيكيّة إذ تستمر فعالية الفيروس عليها نحو 12 ساعة".

ويشدّد نسناس على "ضرورة العزل الكلّي للمريض المصاب، وتقديم وجبات طعامه وشرابه من خلال وضعها أمام باب غرفته من دون الدخول والاختلاط به على الإطلاق". ويوصي المرضى بـ "تناول السوائل، لا سيّما المشروبات الساخنة، بالإضافة إلى الفيتامينات"، مؤكداً أنّه "لا يمكنهم الخروج إلى الشرفة، في حال كانت غرفة عزلهم تحتوي على شرفة". ويكشف أنّه "في حال إصابة العائلة بأكملها بالفيروس، فلا مانع من العزل الجماعي، إذ ليس لذلك أيّ تأثير عليهم. الفيروس واحد والأهمية لجهاز المناعة لدى كل فرد منهم"، معلناً أنّ "مدة 14 يوماً كافية للحجر الصحي في المنزل، إلا أنّ الفيروس في تطوّر مستمر، ما قد يؤدي إلى اختلاف المدّة".



وعن سبل الوقاية، تقول رئيسة مصلحة الطب الوقائي في وزارة الصحة العامة في لبنان، عاتكة برّي إنّ "الحجر الصحي المنزلي مسؤولية فردية وإجراء عالمي أثبت نجاحه وفعاليّته أكثر من العزل الصحي الجماعي، في حال تمّ اتّباعه بالشكل الصحيح. فمن الأفضل على الشخص العائد من سفر من بلد موبوء أو الذي اختلط بأشخاص تبيّنت إصابتهم بالفيروس أو مشكوك في إصابتهم، أن يلازم المنزل بمفرده. لكن إذا كان هذا الأمر صعباً، كونه يعيش مع أفراد عائلته، فمن الضروري أن يلازم غرفته، على أن تكون النافذة مفتوحة. والمفضّل أن يكون في داخل الغرفة دورة مياه، وفي حال انتفاء هذا الأمر من الضروري تعقيم دورة المياه المشتركة بشكل دائم بمادة الكلور النقي".

تضيف برّي: "يُفضّل أن يتولّى شخص واحد من أفراد العائلة التعاطي مع الشخص المشتبه في إصابته لجهة وضع الطعام والشراب وأيّ دواء إن لزم الأمر أمام باب غرفته، على أن تُقدّم بأدوات بلاستيكية يرميها الشخص المعزول فوراً في كيس للنفايات يضعه أمام باب الغرفة ليتخلّص منه أفراد عائلته بعد ارتداء القفازات ثمّ غسل اليدين جيداً". وتوضح أنّه "على الشخص المعزول غسل يديه باستمرار، كما يُمنع على أهله استقبال الزائرين، ويُمنع عليه الخروج من الغرفة إلا بعد 14 يوماً. كذلك نطلب منه ارتداء الكمامة مدّة أسبوع بعد الحجر في حال رغب في الخروج من المنزل، وذلك لمزيد من الإجراءات الاحترازية".

وتلفت برّي إلى أنّه يتوجّب على العاملين في القطاع الصحي أو الأطباء التدخل أحياناً وفرض الحجر الصحي. فتقول إنّ "ثمّة أشخاصاً يبادرون إلى الحجر المنزلي، ولو كانوا عائدين من بلدان غير موبوءة، في حين أنّ بعضاً آخر لا يكترث حتى لو كان عائداً من بلد موبوء. هنا، يأتي دورنا بالتدخّل لفرض هذا الحجر، بعد تلقينا بلاغات بذلك من الجيران أو الأقرباء".


تروي مواطنة لبنانيّة لـ "العربي الجديد" تجربتها مع الحجر الصحي المنزلي بعد عودتها من إيران، فتقول: "هي تجربة مختلفة بكلّ المقاييس. بعدما أنهيت عملي في إيران في ظلّ انتشار الفيروس حول العالم، وقبل وصولي إلى مطار رفيق الحريري الدولي، وعلى الرغم من معرفتي ويقيني أنّني بصحة جيدة، كنت قد اتّخذتُ القرار بالتوجّه بمفردي إلى المنزل، بهدف البدء بالحجر الصحي الذاتي مدّة 14 يوماً".

تضيف المرأة التي فضّلت عدم الكشف عن هويّتها: "لازمتُ منزلي طيلة هذه الفترة من دون رؤية عائلتي وابنتي الصغيرة. قضيتُ وقتي في الاطلاع على أخبار الفيروس، من دون أن أُصاب بالهستيريا والهلع. كذلك لجأتُ إلى نمط حياة حُرمت منه بسبب ضغوط العمل. شاهدتُ كثيراً من الأفلام وقرأتُ بعض الروايات والكتب السياسية، فضلاً عن تواصلي اليومي مع ابنتي وأهلي". وعن إجراءات الوقاية التي كانت تتّبعها، تشرح: "تناولتُ كثيراً من الفيتامينات، وحرصتُ على تعقيم المنزل وترك النوافذ مفتوحة لتغيير الهواء. التزمتُ تعليمات وزارة الصحة ومنظمة الصحة العالمية بغسل اليدين بشكل متواصل وغسل ثيابي فقط. أمّا الطعام، فكان زوجي يضعه أمام باب المنزل".

دلالات

المساهمون