الحب في زمن كورونا

الحب في زمن كورونا

23 مارس 2020
+ الخط -
في عام 1985 نشر الكاتب الكولومبي الشهير غابرييل ماركيز رواية حققت صدى ملحوظًا في العالم، وهي "الحُبّ في زمن الكوليرا" التي تُرجمت إلى أكثر من لغة عالمية، وحصدت قبولًا واسعًا عند الكثير من القراء، وتحوّلت لاحقًا لتصبح فيلمًا سينمائيًا، ومع أن ماركيز رحل عن عالمنا منذ ست سنوات، ولكن لم يتوقع أن الوباء الذي اقترنت به روايته عن "الكوليرا" لن يظلّ الأوّل من حيث شدّة فتكه، بل سيظهر وباءٌ أشدّ منه فتكًا وأسرع انتشارًا؛ لتصبح قضية فيروس كورونا عالمية، ولا تنفك وسائل الإعلام عن تداول أخبارها في كل دقيقة، بصفتها حديث الساعة وأكثر الموضوعات والقضايا تداولًا بين النّاس.

تدور أحداث رواية ماركيز حول قصة حب بين فتاة وشاب، تعيق الظروف المتكررة والمنعطفات القاسية من نجاحها، والتي لا يُكتب لها النجاح إلا بعد تجاوز بطليها عمر السبعين، فيدركان أن حبهما برغم كل الذي صار معهما ما زال مستمرًا، أمّا ربط الكوليرا بالرواية؛ فهو لتوظيفه كسلاحٍ يواجه فيه البطل ما تبقى من عوائق قد تمنع من لقائه المحتّم مع حبيبته، فاللقاء يجمعهما في سفينة مع مجموعة من المسافرين، ويرفض البطل أن تنتهي قصتهما دون بقائهما معًا لأطول وقت ممكن، فيطلق إشاعة بانتشار الكوليرا داخل السفينة، ممّا يحوّلها لتصبح منطقة حجر صحي، وتستمر في الإبحار من دون التوقف في ميناء أخير، ليظل البطلان معًا حتّى النهاية.


إن إسقاط أحداث أزمة الكورونا في عصرنا هذا على ما حدث في نهاية الرواية يجعلنا نرى تمامًا كيف أن فيروسًا صغيرًا، ولا يرى بالعين المُجردة يستطيع بسهولة إثارة الخوف والهلع؛ تحديدًا بعد تداول كمٍّ هائل من الأخبار حول النتائج الكارثية التي خلفها في أماكن حلوله، ومن هنا تشابه مع الكوليرا ذلك المرض المُعدي الناتج عن عدوى جرثومية تؤثر في الجهاز الهضمي، وقد اعتبر في فترة انتشاره في القرن التاسع عشر وباء العصر آنذاك؛ لأنه قتل مئات الآلاف في قارة أوروبا والأماكن التي غزاها، وظهرت لاحقًا الكثير من الأوبئة الأخرى التي قضت على مجتمعات بأكملها، وصولًا إلى كورونا الفيروس الذي تسبب بتغيير نمط الحياة على وجه الكرة الأرضية.

فيروس كورونا ليس بالوباء الجديد، فاكتشف في عقد الستينيات من القرن العشرين؛ كمسببٍ لالتهاب القصبات الهوائية عند الإنسان، ثم تطوّر بأشكالٍ متلاحقة ومختلفة عن بعضها بعضًا؛ خصوصًا من حيث درجة الخطورة المترتبة عليها، والأعراض الجانبية الناتجة عن الإصابة بها، إلى أن ظهر فيروس كورونا المستجد في أواخر عام 2019، والذي لم يتوقف عند صفة وباء بل أصبح جائحة عالمية لم تترك دولة أو شعبًا؛ لتصيب الآلاف وتقتل الكثيرين من المصابين الذين لم يساعدهم العلاج على مجابهة هذا الفيروس الخطر.

أثّر انتشار فيروس كورونا المستجد بشكلٍ ملحوظ في المجتمعات، فأعلنت معظم الدول حالة الطوارئ في أراضيها، وحظر التجوّل داخل مناطق معينة، ثم عمم على مستوى بلدان بأكملها، كإجراءات تساهم في مواجهة الامتداد المتسارع لكورونا، كما غيّر هذا الفيروس في العادات الاجتماعية، فيشعر الكثيرون بالارتباك قبل مدّ أيديهم للمصافحة؛ بسبب الخوف من انتقال العدوى بمجرد السلام، وغيرها من العادات الأخرى التي أصبحت محدودة، لا بل معدومة غالبًا، وهكذا حتّى العاطفة والحُبّ في زمن كورونا أصبحا من المحرمات، أقلّه في الوقت الحالي حتّى تزول هذه الغمامة السوداء.

يجب أن يدرك كل شخص أن من واجباته ومسؤولياته نحو عائلته الصغيرة في البيت، وعائلته الكبيرة في المجتمع، الالتزام بما تقتضيه المصلحة العامة في التعامل مع فيروس كورونا، فالاهتمام بالنظافة الشخصية يعتبر جزءًا من المحافظة على النظافة العامة، ويكون ذلك بالاستخدام المتكرر للمعقمات والمنظفات، والامتناع عن الخروج من المنزل إذا لم تتطلب الضرورة ذلك، والابتعاد عن الاكتظاظ والتجمّعات في الأسواق، وغيرها من الإجراءات الوقائية والاحترازية، والتي تساهم في الحدِّ من انتشار فيروس كورونا المستجد والتقليل من احتمالية الإصابة به، وأختم كلامي بحكمة صينية جاءت نتيجة لتجربة الصين في مواجهة كورونا، وتقول: "تعامل مع أي شخصٍ على أنه مصاب، وتصرف مع كل الأشخاص على أنك مصاب".

دلالات