Skip to main content
الحاجة تمام تذكر أعراس فلسطين
انتصار الدنان ــ صيدا
تبقى العودة حلمها (العربي الجديد)

كانت في الثلاثين من عمرها حين غزا الصهاينة فلسطين، واقتلعوها من حياتها وأرضها، حالها حال كثير من الفلسطينيّين الذين تركوا بلادهم ورحلوا عنها. كانوا يتوقّعون ألّا يغيبوا عنها أكثر من أسبوع، على أن يعودوا إلى بيوتهم. طالت السنوات ولم يرجعوا، لكنّها ما زالت تأمل العودة كما آخرين تركوا بيوتهم وأراضيهم.

إذاً، فرّت وعائلتها من بلدة السميرية مرغمين تحت تهديد نيران العدو الصهيوني. تنقلت العائلة من مكانٍ إلى آخر، تاركة رزقها. هي تمام أحمد الحاج، تعيش حاليّاً في مخيّم عين الحلوة للّاجئين الفلسطينيّين في جنوب لبنان. كانت قد لجأت إليه بعد نكبة عام 1948. أما زوجها، فهو من بلدة عمقا الفلسطينيّة. تتذكّر أيّامها في فلسطين، وكيف كانت تعيش وعائلتها في استقرار وأمان. تقول: "كنّا نعيش بألف خير في فلسطين، ولم يكن ينقصنا شيء. نعتاش من أرضنا. في ذلك الوقت، كانت فلسطين تنعم بخيرات الأرض، وكان أهالي بلدتنا يعملون في الأرض، يزرعونها ويهتمون بها. كنّا نزرع الخضار على أنواعها، كالكوسا والخيار وغيرهما كثير، ولا ننسى القمح، ونوزّع بعض الإنتاج على الجيران لوفرته". ما زالت تذكر أنّ رائحة الخضار كانت مختلفة عمّا هي عليه اليوم، وكان الناس يحبون تناول القمح، إلى أن هجمت العصابات الصهيونيّة على فلسطين.

تقول تمام: "حين اقتحم الصهاينة بلادنا بدأوا بإطلاق القذائف نحونا من مسافة قريبة. شعرنا بالخوف، وهربنا من منازلنا نحو أشجار الزيتون التي كانت قريبة من بيوتنا، وبتنا ليلتنا تحت أشجار الزيتون. لكن بعدما اشتدت حدة القصف، وشعرنا بقربها منا أكثر فأكثر، وأدركنا أن الصهاينة سيهجمون علينا، وربما يقتلوننا، هربنا من بلدة إلى أخرى، حتى وصلنا إلى ترشيحا فالدير ثم لبنان. كل ذلك كان سيراً على الأقدام. تركنا كل ما نملك، حتى إنّنا لم نحمل ثيابنا. لم نتوقع أن يحل بنا ما حل. اعتقدنا أننا سنهرب لبعض الوقت ثم نعود، بعدما تخفت حدة القصف. لكنّ القصف بقي مستمراً، لنصير لاجئين نعيش خارج فلسطين".




وعن حياتها في لبنان، تقول: "لطالما شعرت بالذل. تنقلنا كثيراً قبل أن يستقر بنا الحال في مخيم عين الحلوة. سكنّا بداية في شوادر، كسائر الذين نزحوا إلى لبنان، وكانت الحياة صعبة للغاية. في فصل الشتاء، تنهمر الأمطار علينا بغزارة، وكنا نشعر بالبرد. وفي الليل، حين تشتد الرياح والعواصف، كانت بعض أطراف الشادر تقتلع، فنقضي ليلتنا ممسكين به حتى لا يقع علينا. وفي فصل الصيف، كان الحر شديداً، ولم نكن نحتمل شدته. في معظم الأحيان، كنّا نقضي ساعات النهار خارج الخيمة، نتفيأ في ظل شجرة إلى أن يأتي المساء. تضيف: "مع الوقت، بدأنا نبني منازل لنا، وما زلنا نعيش فيها حتى اليوم. لكن لا خير في لبنان".

تذكر كيف كانت تقام الأعراس في فلسطين. بالنسبة إليها، كل ما في فلسطين جميل، بعكس لبنان. "قبل حفل الزفاف الأساسي، يقيم أهل العروسين الاحتفالات على مدى سبعة أيام، أربعة للنساء وثلاثة للرجال. وكان الشباب والفتيات يرقصون الدبكة، وتقدم أنواع مختلفة من الطعام. تتابع: "أتمنى العودة إلى فلسطين والموت فيها. أدعو الله دائماً أن أدفن في فلسطين بلدي، بلد الخيرات، وأدعوه أن يحمي شعب فلسطين بأكمله، ويمدهم بالقوة حتى يستطيعوا مجابهة الأعداء الذين سلبونا أرضنا وأخرجونا منها". تضيف: "لم أشعر يوماً بالسعادة في لبنان. حرمنا العيش وفقدنا كلّ شيء، أرضنا وبيوتنا ورزقنا، وعشنا هنا في ذل وتعب وترحال، وما زلنا نعيش بخوف".

ربّما تدرك أنّ ما لم يُحلّ على مدى سنوات طويلة، لن يحلّ اليوم. بالتالي، فإنّ احتمال العودة إلى بلدها وأرضها يصعب أن يتحقّق، أقلّه في وقت قريب. لكنها متمسّكة بحلمها هذا إلى أبعد الحدود، هي التي ما زالت تستمد القوة من الأيام الجميلة التي عاشتها قبل أن تنتقل إلى لبنان الذي لم تعرف فيه الاستقرار والسعادة.