الجيش الليبي... تحديات البناء ومخاوف التحوّل إلى ميليشيا

الجيش الليبي... تحديات البناء ومخاوف التحوّل إلى ميليشيا

14 اغسطس 2014
إعادة تأسيس الجيش تحتاج إلى 15 عاماً (حازم تركية/Getty)
+ الخط -
نشأ أول جيش ليبي عام 1940 بمصر، وسُمي وقتها بالجيش السنوسي، الذي انضم إلى قوات الحلفاء في مواجهة إيطاليا وألمانيا بليبيا خلال الحرب العالمية الثانية، وكان التأسيس الثاني عام 1952، عندما أُعلنت المملكة الليبية على يد مؤسسها الملك الراحل إدريس السنوسي.

بعد انقلاب سبتمبر/أيلول 1969، الذي قاده العقيد الراحل معمر القذافي، بدأ الانحدار الفعلي لمفهوم الجيش الليبي الوطني، فقائد الانقلاب هو من ضباط الجيش، وخشي على نفسه أن ينقلب السحر عليه، فقرر عبر سني حكمه تفريغ الجيش من مضامينه ومحتواه. وزج القذافي الجيش الليبي في ثمانينيات القرن الماضي في حرب تشاد، وكان قائد قواته وقتها، اللواء المتقاعد خليفة حفتر، الذي خسر الحرب، وقُتل عدد كبير من جنود الجيش، ودُمرت أغلب آلياته.

ارتكز القذافي، لحماية نظامه، على فكرة الكتائب الأمنية المكونة بالأساس من أبناء قبائل، بالغرب والجنوب الليبيين، وكانت أعتى هذه الكتائب اللواء 32 معزز بقيادة خميس القذافي، وكتيبة امحمد المقريف بقيادة البراني إشكال، وكتيبة الـ 77 بقيادة المعتصم القذافي.

والكتائب المذكورة لا تؤمن بأي عقيدة دفاعية وطنية، وليس لديها رؤى موحدة للأمن القومي الليبي، والمخاطر التي يمكن أن تهدد ليبيا خارجياً وداخلياً، بل قامت عقيدتها الدفاعية على الحماية الشخصية للقذافي ولأركان نظامه، ومن ثم شاركت بشراسة في قمع التظاهرات الشعبية، التي اندلعت في السابع عشر من فبراير/شباط 2011.

أبانت العمليات العسكرية، التي شنها حلف شمال الأطلسي على ليبيا، بموجب قرارات مجلس الأمن، هشاشة منظومات الدفاع الجوي والسلاح الجوي وسلاح البحرية، إذ سرعان ما انهارت أمام غارات "الأطلسي"، وظهر أنها كانت تعتمد أسلحة تقليدية، ومنظومات دفاعية أغلبها خارج الخدمة بسبب قدمها وعدم صيانتها، وكانت مستوردة من الاتحاد السوفييتي السابق.

وسبق للمتحدث باسم وزارة الدفاع، العقيد عادل البرعصي، أن لخص أهم العقبات الرئيسية أمام ليبيا لبناء جيشها، وأوضح أن النظام السابق كان قد أفسد الجيش، وأفقده العقيدة  

العسكرية، محولاً إياه إلى كتائب أمنية لحماية نظامه بدلاً من حماية الوطن، إذ قام بتحويل الجيش إلى تشكيلات شعبية لا عقيدة قتالية لها، مهمتها الأساسية حماية النظام. وذكر أنه بعد قيام الثورة، واجهت الدولة الليبية عدة مشاكل وصعوبات لإعادة بناء الجيش الليبي، أبرزها تواجد الثوار في المعسكرات التابعة للجيش، وكثرة التشكيلات المسلحة المتواجدة في كل مناطق ليبيا، وسياسة التدريب السيئة التي كانت متبعة خلال فترة النظام السابق، والحاجة إلى إعادة التسليح والتدريب، والمساحة الشاسعة لليبيا، وطول حدودها البرية والبحرية، وصعوبة السيطرة على الأسلحة الثقيلة والمتوسطة المنتشرة بين الثوار، بالإضافة إلى صعوبة إعادة تنظيم ملاك الجيش، وتراكم الرتب الكبيرة غير المؤهلة، وقلة القيادات المؤهلة.

وكانت لجنة متخصصة من الأمم المتحدة قالت، في تقرير سابق لها، إن ليبيا تحتاج على الأقل إلى خمسة عشر عاماً حتى تتكون لديها نواة جيش وطني محترف، وفق المعايير العسكرية الحديثة.

ويقول خبراء عسكريون إن أهم ما تحتاجه ليبيا، في ظل قرارات دولية مانعة من استيراد العتاد العسكري لكافة فروع الجيش، هو قوات برية تحمي الحدود الليبية، والبالغة 5000 كيلومتر شرقاً وغرباً وجنوباً. لكن كل الخيارات والأطروحات والمقترحات لبناء جيش وطني بعقيدة دفاعية، خالية تماماً من عالم السياسة، تقف أمام صخرة الاستقرار السياسي، إذ كيف يتم بناء مؤسسة عسكرية من دون إنجاز حياة سياسية ديمقراطية، تستقر فيها مؤسسات الدولة؟ وكيف يمكن بناء جيش يعتمد ضمن أولوياته الأمن القومي الليبي؟

وفي ظل الأجواء السياسية الملبدة بروح الإقصاء والتطاحن، حد السعي لقتل الخصم سياسياً وجسدياً، لن يكون هناك جيش وطني، وإن وُجد فهو سيكون ميليشيوياً بامتياز يدافع عن تياره السياسي لا عن وطنه.

ثمة تساؤلات أخرى تُطرح بشأن عقيدة الجيش، ومدى تداخلها أو تدخلها في الشأن السياسي، وخصوصاً أن كتائب مسلحة محسوبة على القوات المسلحة، اعترضت العملية السياسية في ليبيا بعد الثورة، بل واقتحمت مقر المؤتمر الوطني العام، وهددته بالإسقاط.

تتمحور الأسئلة حول الضمانات التي تجعل هذا الجيش محترفاً، بمعنى ألا يتغول على الدستور، وما يتضمنه من مبادئ عملية سياسية لتداول السلطة وفق اختيار شعبي، أي ما الذي يجعل هذا الجيش الجديد يلتزم الحياد؟

في موازنة العام 2013، التي وافق عليها المؤتمر الوطني العام الليبي لحكومة علي زيدان، بلغ عدد الرواتب المدفوعة من الباب الأول في ميزانية الحكومة الليبية للجيش والشرطة، أكثر من 500 ألف راتب، وتجاوزت 5 مليارات دينار.

وفي يونيو/حزيران 2013، طلب رئيس الوزراء، علي زيدان، من دول مجموعة الثماني ودول أخرى، دعم تأسيس قوة مسلحة تحت مسمى "قوة الأغراض العامة"، بحسب ما أوردت الصحافة الأميركية. وبحسب تقرير صادر عن لجنة الشؤون الخارجية التابعة للكونغرس، فإن الولايات المتحدة ستبدأ تدريب قسم من قوة الأغراض العامة الليبية، في ربيع 2014، في قاعدة مخصصة للتدريب في بلغاريا، على أن تتكفل ليبيا بتكاليف التدريب التي لم تذكرها المصادر.

في يوليو/تموز 2013، أكد زيدان أن قرار التدريب في الخارج لا رجعة عنه، وذلك بمؤتمر صحافي جمعه مع وزير الخارجية البريطاني، وليام هيغ، الذي أشار إلى أن بلاده ستدرب 2000 من عناصر الجيش الليبي. وأضاف زيدان أن إيطاليا ستدرب 5000 عنصر، وأكد على زيادة مرتبات منتسبي الجيش والشرطة، وتأمين تعهد دولي بالمساعدة في تأسيس الجيش الليبي والشرطة.

وفي نوفمبر/ تشرين الثاني من نفس العام، نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" ما يفيد بتوقيع عقد اتفاق ليبي ـ أميركي لتدريب ما بين 6000 و8000 جندي وضابط ليبي في بلغاريا، تحت ما يسمى قوة الأغراض العامة.

ويعتقد عسكريون أن هذه القوة قد تسبب في زيادة الانقسام، في ظل عدم الاتفاق على الهوية الوطنية، إذ إن كل عملية تأسيس الجيش في ليبيا، التي ستستغرق ما يقرب من ست سنوات، تفتقر إلى مستند دستوري يحدد على وجه الدقة مهمة ودور المؤسسة العسكرية، ويعالج كل ما يتعلق بالعقد الاجتماعي الذي ينظم العلاقات في ليبيا.

كما يعتقد محللون أن ثمة خشية لدى كل التيارات السياسية الموجود في ليبيا، من إنشاء جيش قد ينقلب على إحداها في أي لحظة، فالإسلاميون يخشون من جيش قد ينقلب عليهم خاصة بعد تجربة الإخوان المسلمين في مصر. كما أن محمود جبريل، ومن يتحالف معه من مختلف القوى، يخشون من جيش يسيطر عليه الإسلاميون ويمنعهم من ممارسة نشاطهم السياسي.

يشير خبراء ليبيون إلى أن وزارة الدفاع الليبية ورئاسة الأركان العامة، تفتقدان إلى رؤية واضحة حول المؤسسة العسكرية والأمنية، بدليل عدم وجود تعداد دقيق للجيش الليبي لدى هذه المؤسسات. كما أن المؤسسة العسكرية الرسمية الهشة تعاني من "أزمة نفسية"، تتمثل في كيفية التعامل مع ثوار الجبهات، الذين قاتلوا نظام القذافي، وهي أزمة ثقة بين طرفين ينظر أحدهما للآخر بعين الريبة والشك.