الجيش اللبناني... بين كرّ وفرّ!

الجيش اللبناني... بين كرّ وفرّ!

18 نوفمبر 2019
+ الخط -
منذ بدء الانتفاضة في لبنان، كان لدى الجيش اللبناني قرار جريء وواضح بالوقوف على الحياد، وأن يحمي المتظاهرين السلميين، لأجل تحقيق التغيير في الوطن. أراد الجيش من جراء تلك الخطوة أن يحافظ على مكانته وصورته أمام المجتمع اللبناني والدولي الداعم الأول له.

لا يخفى على أحد أن هناك توتراً وخلافاً بين قائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون، وصهر رئيس الجمهورية اللبناني وزير الخارجية جبران باسيل. وهذا التوتر أسبابه مختلفة. هناك خلاف سياسي بين الرجلين، حيث باسيل مقرب جداً من السياسة الإيرانية، والجيش اللبناني أغلبية تمويله من المجتمع الدولي، ولا يمكن إلصاق السياسة اللبنانية بالإيرانية، لأن له عواقب إقليمية ودولية، وكانت هناك رسالة أميركية واضحة بتجميد المساعدات بعد انطلاق الانتفاضة.

أما على الصعيد الداخلي، فهناك تمايز بينهما، وأيضاً يمكن التحدث عن تنافس بين الطرفين لخلافة رئيس الجمهورية، إذ أصبح باسيل مسيطراً بنحو شبه كامل على كل مكامن الدولة. وفي المقلب الآخر، قائد الجيش منزعج من أداء سياسات باسيل الداخلية. وكان هذا التوتر واضحاً في مرحلة الاقتطاع من ميزانية الجيش اللبناني، لأنها كانت تهدف إلى إضعاف الجيش، وبالتالي إضعاف قائد الجيش، منافس باسيل على الرئاسة.


وهذا الخلاف ممتد حتى هذه اللحظة. فقائد الجيش يريد الوقوف على الحياد، ولكن هناك عقبات متعددة تواجهه. الجيش اللبناني نسخة عن المجتمع اللبناني، وبالتالي هناك أشخاص بمواقع القرار داخل الجيش محسوبون على رموز السلطة، ما يؤدي إلى شرخ داخل المؤسسة العسكرية (سأعود لاحقاً إلى هذا الموضوع).

ضغط القوى السياسية المحلية على قيادة الجيش لإنهاء الانتفاضة، أو على الأقل لوقف قطع الطرقات في مناطق مختلفة، وخاصة الطرقات التي تربط بيروت بالجنوب اللبناني، وما لها من رمزية، خصوصاً أنها طرق رئيسية لجمهور حزب الله، والطرقات الرئيسية التي يوجد فيها نفوذ لفريق رئيس الجمهورية، مثل جل الديب، حيث رسموها كخطوط حمر للجيش، إن لم يأخذ خطوة وفتح الطرقات، فسيعملون هم على فتحها بطرقهم. من هنا، رأينا أداءً جديداً بعد إغلاق الطرقات مجدداً، بسبب مقابلة رئيس الجمهورية الأخيرة، إذ اعتبرها البعض مستفزة.

الأمر الأول حادثة خلدة بعد قطعها، حيث يربط هذا الطريق بيروت بالجنوب، وفيه جرت تصفية الشهيد علاء أبو فخر، ولا يمكن أحداً أن يصدق أنها صدفة. وهدف التصفية ممكن أن يكون لواحد من السببين: إما أن الشهيد كان أحد النافذين في قطع طريق خلدة، أي أحد الطرق التي تربط بيروت بالجنوب، وإما لزعزعة المنطقة وإيصال رسالة بمنع قطع الطريق. وهنا استُعمِل الجيش بطريقة غير مباشرة، حيث إن مرافق مدير مخابرات المنطقة هو مَن قتل الشهيد.

واللافت أيضاً، هو الظهور المسلح الذي حصل في منطقة جل الديب، المنطقة ذات النفوذ لرئيس الجمهورية، حيث أُطلقَت النار مباشرةً على الأبرياء، وشوهد على إحدى الكاميرات توزيع أسلحة بعد إغلاق الطريق من الفريق السياسي التابع لرئيس الجمهورية.

لذا، قرار الجيش اللبناني منقسم، ولا يوجد انسجام في طريقة التعاطي مع ملف الانتفاضة، وأصبحنا نرى للجيش بطريقة غير مباشرة قرارات، وليس قراراً واحداً بهذا الملف. نرى ضابطاً يشتم المتظاهرين، وضابطاً متضامناً مع المنتفضين، ومن ناحية أخرى نرى أسلوب صُلباً وغير إنساني في بعض المناطق، وأسلوباً جدَّ حضاري ويراعي حقوق الإنسان في مناطق ثانية.

إذاً، الجيش ليس موحداً في التعاطي مع ما يحصل، وهو منقسم على ذاته للأسباب التي ذكرناها سابقاً، حول سيطرة القوى السياسية على مراكز مهمة في الجيش. ومن هنا أتى أول تصريح لقائد الجيش، بأنه لن يسمح بقطع الطرقات، تفادياً لانهيار هذه المؤسسة، لأن الرسائل الضمنية قد وصلته في الأيام الماضية، وتعد إشارة إلى أنه سيلتزم الخطوط الحمر!

حالياً، أصبح كل ما نتمناه أن يبقى الجيش حامياً للوطن، وألّا يتصرف بطريقة الأنظمة الدكتاتورية، وألا يدخلوه في "البازار" السياسي، حيث حينها من الممكن أن يفقد شرعيته واحترامه على الصعيد الداخلي، بخاصة أن الجيش أكثر مؤسسة في لبنان ما زالت تحافظ على هيبتها واحترامها أمام الشعب اللبناني.