الجزائر... وكان مؤتمر طرابلس

الجزائر... وكان مؤتمر طرابلس

09 يونيو 2020
يحزن الجزائريون لاقتتال الليبيين في ما بينهم (حازم تركية/الأناضول)
+ الخط -

لا تؤمن مدرسة الانقلابيين، في الحقيقة، بقواعد الحرب، فما بالك بقواعد السلم والمصالحة. من علامات دنو الساعة أن يحدد الغريق اشتراطات إنقاذه، والمنهزم شروط النصر والتفاوض، كما حصل في "إعلان القاهرة" من قبل عبد الفتاح السيسي وخليفة حفتر، بعد الاندحار الكبير لمشروع لم يكن ليتوقف عند السيطرة على طرابلس فقط.

وطرابلس هذه بالنسبة للجزائريين ليست مجرد عاصمةٍ لدولة عربية شقيقة وجارة وحسب، هي أيضاً المكان الرمز لمحطة ثورية حاسمة في تاريخ الجزائر توّجت نضالها التحرري. لا تُذكر طرابلس إلا وأحالت الجزائريين إلى "مؤتمر طرابلس" الذي وضعت فيه الأسس الأولى للجزائر المستقلة. فبعد اتفاقيات إيفيان التي أقرّت استقلال الجزائر، احتضنت طرابلس اجتماع المجلس الوطني للثورة الجزائرية بين نهاية مايو/ أيار وبداية يونيو/ حزيران عام 1962، وصادق على ما عرف بـ"برنامج طرابلس"، والذي تضمن المحتوى السياسي والاجتماعي والثقافي للجزائر المستقلة، ومشروع الدولة الجديدة والتزاماتها الاجتماعية والسياسية وخياراتها الاقتصادية.

وبغض النظر عن أيّ تفاصيل تتعلق بكيفية إدارة الرفاق الجزائريين لذلك المؤتمر، فإن طرابلس مكتوبةٌ في التاريخ الجزائري بعنوان هذا المؤتمر الجامع للجزائريين لأجل استقلال القرار الوطني والانطلاق إلى المستقبل، والتحرر من المشاريع المفروضة على القيادة الوطنية حينها. ويفترض أن تكون الجزائر في مستوى ردّ هذا الدين التاريخي، ليكون "مؤتمر الجزائر" جامعاً لليبيين لتحرير قرارهم الوطني، والتوافق على خياراتهم، وإزالة الخلافات، والانطلاق لبناء أسس الدولة الليبية الجديدة.

صحيح أن الجزائر تبدي تعففاً بالغاً عن أيّ مطامع اقتصادية أو مصالح في ليبيا، لكن هذا التعفف لا يجب أن يتحول مانعاً عن دور تتطلبه اللحظة التاريخية، ويستدعيه المشهد الإقليمي، ويقول به كل الليبيين. لا يخلو حوار صحافي أو تصريح لمسؤول أو فاعل ليبي من الشرق أو الغرب، محسوب على حكومة الوفاق أو حكومة طبرق، من الإشارة إلى توق ليبي لدور جزائري مساعد ومسهل للحوار، ولا يجب أن يكتب في التاريخ الليبي أن الجزائر حادت عن دورها الإجباري لصالح الشعب الليبي. فتح السفارة المغلقة منذ مارس/ آذار 2014 بما يعنيه من رمزية سياسية، هو أيضاً الخطوة الضرورية التي تعزز الموقف، وحضور الجزائر في مجهود تخليص الليبيين من أمراء الحرب والدحلانيين والانقلابيين.

لا يجوز التذرع حتى بالظرف الداخلي والتعقيدات الإقليمية. عندما احتضن الليبيون والملك إدريس السنوسي الجزائريين خلال سنوات الكفاح، وفي مؤتمر عام 1962، وبذلوا عطاء كبيراً لصالح الثورة الجزائرية، كانت ليبيا أيضاً قد خرجت لتوها من ظروف قاسية، ومع ذلك تحملت الضغوط والعبء القومي الذي يمليه الواجب، لتوفير الظروف الملائمة للجزائريين لتحديد خياراتهم بأنفسهم. كذلك يتعين على الجزائر، وهي بصدد ترتيب بيتها الداخلي بعد أزمة وانسداد سياسي، أن تقوم للواجب وبالواجب، وكل جهد ممكن لأجل مساعدة الليبيين على الإفلات من التعقيدات التي تفرضها التدخلات الأجنبية.

لا يُغمض طرف في الجزائر، لدى الرسميين كما لدى عامة الشعب والنخب، عن ليبيا وتطوراتها، فلا أحد من الجزائريين سعيد باقتتال الليبيين في ما بينهم، وإراقة الدم وهدم منشآت الشعب الليبي بتدخلات أجنبية. لكن أيضاً لا يجب أن يتصور أحد أن القوى المتدخلة في ليبيا عبارة عن جمعيات خيرية تبذل العطاء العسكري والسياسي لعيون الليبيين وحدهم، لأن ليبيا، كما اليمن، في نظر بعض القوى الصانعة والمحرضة على الحرب، ليست سوى بئر نفط أو حقل غاز أو ميناء، أو ساحة حرب تبتلع مزيداً من مبيعات السلاح.

دلالات

المساهمون