الجزائر... دستور وجرعة إصلاح

الجزائر... دستور وجرعة إصلاح

09 سبتمبر 2020
خرج الجزائريون في فبراير لتحقيق انتقال ديمقراطي (بلال بن سالم/Getty)
+ الخط -

تقطع الجزائر مرحلة دقيقة وحساسة في منعطف سياسي حاسم، تتحدد على أساسه الكثير من خيارات المستقبل وملامحه، في العلاقة مع نظام سياسي جديد، وإعادة تأطير الحياة الاقتصادية وتطهيرها من مكونات الفساد والتداخل مع المال السياسي، وتحرير المبادرة المجتمعية وترشيد الثروة والعدالة الاجتماعية والحكم الرشيد.
هذه عناوين التحول المفترضة بعد ثورة سلمية، وهي في الأصل مطالب عميقة للجزائريين وليست وليدة حراك فبراير/شباط 2019 فقط، وهي في الوقت ذاته عناوين تتبنى السلطة الإيفاء بها. دقة المرحلة في الجزائر ترتبط بالدستور الجديد الذي يطرحه الرئيس عبد المجيد تبون للاستفتاء الشعبي في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل. النص الأول، الذي نشر في مايو/أيار الماضي لاقى اعتراضاً سياسياً وشعبياً كبيراً. والنص الجديد، بحسب المواقف الأولية، يسير إلى الوضع نفسه، بحيث لا تُبشر المواقف والقراءات الأولى المعلنة من النخب السياسية والمدنية بأنه يحظى بالقبول.
ثمة مبررات كثيرة تقف خلف هذا الموقف. ناهيك عن آلية صياغته، فإن الدستور الجديد لم يحسم طبيعة النظام السياسي الذي يحكم البلد، وخلق تزاوجاً عجيباً وغير مفهوم بين النظام البرلماني والنظام الرئاسي. وبخلاف ما يسوق من أنه يصون البلد من الانحراف إلى الحكم الفردي، فإنه ليس كذلك بالضرورة، لكونه يبقي هامشاً كبيراً من الصلاحيات للرئيس. وحتى صلاحية تعيين أعضاء ورئيس هيئة الانتخابات، تمت مصادرتها لمصلحة الرئيس بعد أن كان قانون الهيئة ينص على الانتخاب.
لكن نُخب السلطة تدفع إلى زاوية نقاش أخرى، على أساس أن الدستور الجديد يتيح، نظرياً، انتصارات تقدمية في مجال الحريات، كحرية التنظم وإنشاء الجمعيات وحق الاجتماع والتظاهر بمجرد "التصريح". وحاز الجزائريون هذه الحقوق وغيرها، للمرة الأولى، في دستور 1989، لكن الإدارة والبوليس والبيروقراطية ظلت تعرقل هذه الحقوق مجتمعة. ويلاحظ أن الجزائريين انتظروا ثلاثة عقود كاملة ليحصلوا على مجرد إعادة تأسيس هذه الحقوق.
يقود هذا إلى أسئلة على سبيل النقاش. هل يمكن البناء على ما يقترحه الرئيس والسلطة من هوامش جديدة للحريات، وحرية التنظم، وتنظيم سياسي جديد والعمل في سياقه، لافتكاك مزيد من المطالب؟ وهل المجتمع الجزائري بحركيته الراهنة وعودة الشارع إلى العمل في الحقل السياسي مستعد لقبول مجرد جرعة جديدة من الإصلاحات بدلاً من التغيير؟ من الصعب إيجاد إجابة على ذلك. لكن الجزائريين يدركون في الغالب أن "سيستم" الإصلاح بالجرعة، الذي تم تجريبه من قبل في محطات مختلفة، أولها في 1989 وآخرها في 2016 مروراً باصلاحات 2012، لم تعد مجدية وتطيل طريق حل المسألة الديمقراطية.
خرج الجزائريون في 22 فبراير 2019 للمطالبة بإحداث القطيعة مع النظام السابق نصاً وروحاً، ولتحقيق انتقال ديمقراطي يقوم على الأسس العلمية المتعارف عليها في العالم، وفي علم الانتقال الديمقراطي، وإبعاد الجيش والمؤسسة الأمنية عن صناعة الخيارات وتسويقها. وما يحدث في الجزائر للأسف يمكن أن يكون أي شيء: إصلاح سياسي أو تغيير من الداخل أو مراجعات، لكنه ليس انتقالاً ديمقراطياً.

المساهمون